الأحد، 17 مارس 2013

دراسة فى تعدد الزوجات

حنان الوادعي * -
* كاتبة وناشطة حقوقية يمنية
في مرحلة مبكرة من عمري قابلت رجلا كبيرا في السن يأكل كثيرا ويتزوج كثيرا.. وفي إحدى المرات سألته لماذا تتزوج وتطلق، وتتزوج وتطلق وهكذا؟ كنت أتحدث بشيء من التقزز لأن فكرة التنقل بين الأجساد مثيرة للاشمئزاز على الأقل بالنسبة لي. 
استفزه أسلوبي وسؤالي على صغر سني وبينما كانت إحدى زوجاته تضع أمامنا وعاءً كبيراً ممتلئاً بكل أنواع الفاكهة، رد علي بأسلوب خطابي كان من الواضح أنه يراهن على تأثيره في قناعة فتاة صغيرة السن: "سأسألكِ سؤالاً، أنظري إلى هذه الفاكهة المتنوعة أمامك ، لماذا أفرض على نفسي أن آكل نفس الفاكهة يوميا وأنا عندي القدرة أن أكل اليوم موزه وغدا تفاحة وبعد غدٍ برتقالة وهكذا؟!" وظل ينظر نحوي ليتأكد من تأثير سؤاله العبقري في زعزعة قناعتي... وأنا بدوري ظللت أنظر إليه وأنا مصدومة من هذه التشبيه الحقير للمرأة ومصدومة أكثر أنه لم يراعِ حتى مشاعر زوجته التي كانت تسمع هذا التشبيه القبيح لها! 
ولم تجد الفتاة الصغيرة في جعبتها مزيدا من الكلام أو ردا يتناسب مع منطق منحط بهذا الشكل! 
واليوم أنا كبرت ولا يزال هذا الرجل على منهج الفاكهاني...وأنا هنا لا أريد شخصنة الموضوع فهو أكبر من هذا الرجل ويطال عقلية مجتمع بأكمله. لهذا أنا أريد أن أناقش بموضوعية وبالتي هي أحسن وبالمنطق وفي إطار رسالة الإسلام موضوع تعدد الزوجات لأني أراه موضوعا شائكا يحتمل أن يُفهم ويطبق بأكثر من طريقة، وموضوعا يستحق أن نفرد له مساحة من النقاش الجاد والموضوعي بعيدا عن منطق التشنج والتعصب للسائد من المفاهيم.  
وبادئ ذي بدء، فالرسول عليه وعلى آله أفضل الصلوات والتسليم، قدم لنا نموذجين للحياة الزوجية، وسأستعرض معكم بإيجاز حياة النبي العائلية في قسمها الأول والثاني. القسم الأول الذي عاشه النبي مع زوجة واحدة لأكثر من 23 سنة والقسم الثاني والذي عاش فيه النبي حياة التعدد الزوجي وأسبابه وظروف تلك الزيجات. 


النبي عليه الصلاة والسلام، تزوج سيدتنا خديجة وهو في الخامسة والعشرين وهي في الأربعين من عمرها. قيل تزوجت مرة أو مرتين قبل النبي وكانت غنية لها تجارة وأموال وخدم وحشم، وبالمعنى المتداول حالياً كانت سيدة أعمال. عرفت سلام الله عليها بوقارها وعقلها ومكانتها الرفيعة وعندما سمعت عن هذا الرجل الذي لقبه قومه بالصادق الأمين استقطبته ليعمل عندها ويدير تجارتها وعندما رأت فيه من الصفات الكريمة والخصال النادرة ما يستحيل على إمرأة أن تفرط فيه، أرسلت صديقتها لتجس نبض النبي إن كان يرضى بها زوجة له. وتزوجا ليخلدا بذلك أجمل قصة حب ووفاء وإخلاص مرت على تاريخ البشرية. 
هذه الزيجة مع هذا الفارق في مستوى المعيشة والدخل والعمر لا يمكن أن يتم في أيامنا هذه إلا في حالة أن الرجل يريد استغلال أموال هذه السيدة علي أحسن تقدير. فمن رضي أن يتزوج مطلقة أو أرملة على مضض ويتنازل عن حلمه في معاشرة عذراء لن يرضى أن تكون أكبر منه بخمسة عشر عاما!! ومن رضي بهذا سيمنعه ثراؤها ناهيك عن العمل تحت إمرتها خوفا من أن تكون هي القائد والمسيطر!! ومن رضي بكل هذا فسيظل يعيرها ويتمنن عليها ويمعن في إذلالها ليعوض إحساسه بالنقص وبعض الرجال قد يخونها مع أخريات أو يتزوج عليها في نهاية المطاف. فهل كان زواج النبي بهذه السيدة اعتباطيا؟ ألا يحتوي على دروس عديدة لا يطبقها عُشر في المائة من عدد الرجال المسلمين؟


لقد ظل النبي متزوجا بخديجة حتى ماتت وهي في الخامسة والستين والنبي قد تجاوز الخمسين من عمره! وطوال كل تلك السنين والتي تقدر بثلاثة وعشرين عاما لم يتزوج عليها بل وأحبها كما لم يحب أحدا بعدها وأخلص لها ولبيته ولأولاده ولم يقسم حبه ورعايته واهتمامه بينهم وبين بيت آخر وزوجة أخرى وأولاد آخرين ولم يكتف بكل ذلك العطاء والحب لزوجة واحدة وبيت واحد فقد ظل حزينا على فراقها فترة طويلة قبل أن يبدأ مرحلة التعدد الزوجي والتي لم يكن هاجسها أو دافعها الجنس وإشتهاء النساء كما يروج الغرب من ناحية ويؤكده المسلمون من ناحية أخرى من خلال ممارستهم للتعدد بالشكل القبيح الذي فهمه العالم الغربي الحديث واستغله أحسن استغلال في حربه ضد الإسلام!    
 وحتى نصل إلى نتيجة ودروس مستفادة من خلال استعراض حياة التعدد الزوجي الذي مارسه النبي في حياته الطاهرة وكم من رجال المسلمين يطبق ويمارس هذا النوع من التعدد، علينا أولا أن نلفت النظر إلى ثلاثة محاور في غاية الأهمية: 
1) المحور الأول: هو أن لا ننسى ونحن نستعرض التعدد في حياة النبي أن الله سمح للنبي أن يتزوج بتسع نساء وهذا الاختصاص هو من الأشياء التي لا يستطيع الرجل المسلم تقليد النبي فيها.
 وفي بيان خصوصية النبي عند الله سبحانه وتعالى والتي امتدت حتى إلى زوجاته اللواتي منعهن الله من الزواج بعد النبي وخصهن بأشياء أخرى لا تلزم سائر زوجات المسلمين كما جاء في سورة الأحزاب، قد يفهم البعض خصوصا أولئك الذين كلما خاطبناهم في مسألة التعدد قالوا أن الرسول عدد واعتبروا هذا سببا كافيا ليمارسوا التعدد، أن النبي مارس التعدد في إطار يختلف كلية عن الإطار الذي يعددون من خلاله سواء في الكم أو الكيف. 
لهذا فخصوصية وضع النبي في بعض المسائل لا يجب أن نتجاهلها ونحن نستعرض المسائل ونبني عليها تشريعات وأحكام.
2) المحور الثاني: هو أن الإسلام جاء ليحدد ويقيد مسألة التعدد. فالفهم السائد لا سيما عند الغربيين أن الإسلام هو الديانة التي أسست لتعدد الزوجات وهذا فهم لا أساس له من الصحة. فالإسلام ظهر في مجتمع كان الرجل فيه يتزوج بثمان وعشر نساء بل وأكثر، فالتعدد كان من الأمور السائدة والمقبولة في ذلك الحين. لكن وبسبب الظلم والضرر المادي والنفسي الذي كان يقع على الزوجات من هذا التعدد جاء الإسلام ليقيد هذه المسألة بأربع نساء ويضع ضوابطاً وشروطاً للرجل الذي يريد أن يعدد حتى يحد من هذه الظاهرة. 
في كتابه "في ظلال القرآن" يقول الشهيد سيد قطب في هذا الخصوص: "فقد جاء الإسلام إذن، وتحت الرجال عشر نسوة أو أكثر أو أقل - بدون حد ولا قيد – فجاء ليقول للرجال : إن هناك حدا لا يتجاوزه المسلم - هو أربع - وإن هناك قيدا - هو إمكان العدل -وإلا فواحدة .. أو ما ملكت أيمانكم. جاء الإسلام لا ليطلق، ولكن ليحدد. ولا ليترك الأمر لهوى الرجل ، ولكن ليقيد التعدد بالعدل .وإلا امتنعت الرخصة المعطاة!"   
 إن الإسلام في حقيقة الأمر جاء ليعالج هذا المجتمع الجاهلي من عادات قبيحة وهمجية حتى يرتقي به إلى مفهوم المجتمع المتحضر فثار على كل تلك العادات وعالجها تارة بإعادة صياغتها من جديد أو بالتشجيع المستمر لتركها أو بتحريمها نهائيا. 
فالإسلام أعاد هيكله المجتمع بما يتوافق والفطرة التي خلقنا الله عليها. وهناك أمور وإن بدت وكأنها لم تحسم بالتحريم مثل موضوع الرق مثلا إلا أن الخط القرآني فيها واضح ولا يحتاج إلى كثير من الفلسفة. فالإسلام كان أول دين أو منهج يستنكر الرق واستعباد الناس وأظهر استنكاره من خلال تشجيع وحث المجتمع على تحرير العبيد في وقت كانت كل الديانات والمجتمعات الأخرى لا تزال تمارس الرق ولا تجد فيه حرجا. 
وهذا الاستنكار ومحاولة حث المجتمع على التخلص من الرق تدريجيا جاء في سياق الإصلاحات الكثيرة التي استهدفها الإسلام للارتقاء بمجتمع جاهلي إلى مجتمع إنساني وكذلك الحد من التعدد جاء ضمن هذا السياق الإصلاحي. فالإسلام حد من هذه الظاهرة وقيدها بشروط لتختفي تدريجيا من المجتمع وتبقى ممارستها محصورة في إطار ضيق جدا مرتبط بحالات نادرة سأتعرض لها في موضع لاحق من هذا المقال.     
3) المحور الثالث: هو أن النبي بدأ حياة التعدد الزوجي وقد تجاوز الخمسين من عمره وهو عمر غالبا ما ينتهي فيه عند الرجل هاجس الجنس. والجنس في أغلب الأحيان وكل الأزمان هو الدافع الأول للخيانة أو للزواج بأخرى على أساس أن الرجل لديه حاجات جنسية تفوق المرأة، وبناء على هذا الإدعاء الذي فندته عشرات الأبحاث العلمية، لا تستطيع امرأة واحدة القيام بتلبية احتياجات الرجل الجنسية. 
وهذا لابد أن يقود الباحث إلى سؤال بديهي: لماذا اكتفى من اصطفاه الله على العالمين بزوجة واحدة في بداية حياته وريعان شبابه وقوته الجنسية؟ ولماذا لم يخلق الله لأبينا آدم أربع حواءات أو حتى اثنتين على اعتبار أنهما أول من أسس ومارس الجنس على وجه الأرض؟ فلو كان الجنس دافعاً ثابتاً لممارسة التعدد ولا يقبل الجدل لكان الأولى تأصيله من خلال أول مثل ضُرب للبشرية في هذا الخصوص. 
إن المجتمع الذكوري بدء من الأسرة إلى الشارع إلى الأصدقاء إلى الإعلام  يروجون بقصد وبدون قصد لهذا الفهم الخاطئ ويستحلون تصديقه ليتسنى لهم الاستمرار في تبرير زواجهم الثاني والثالث والرابع والعاشر وتطليق هذه والزواج بتلك حتى حولوا هذه الإجازة أو الرخصة الإلهية إلى ما يشبه الدعارة والعياذ بالله. 
في نفس الكتاب السابق ذكره يقول الشهيد سيد قطب في هذا الخصوص: "فإذا انحرف جيل من الأجيال في استخدام هذه الرخصة. إذا راح رجال يتخذون من هذه الرخصة فرصة لإحالة الحياة الزوجية مسرحا للذة الحيوانية. إذا أمسوا يتنقلون بين الزوجات كما يتنقل الخليل بين الخليلات. إذا أنشأوا الحريم في هذه الصورة المريبة فليس ذلك شأن الإسلام وليسم هؤلاء هم الذين يمثلون الإسلام.. إن هؤلاء إنما انحدروا إلى هذا الدرك بعدوا عن الإسلام ولم يدركوا روحه النظيف الكريم. والسبب أنهم يعيشون في مجتمع لا يحكمه الإسلام ولا تسيطر فيه شريعته. مجتمع لا تقوم عليه سلطة مسلمة تدين للإسلام وشريعته وتأخذ الناس بتوجيهات الإسلام وقوانينه، وآدابه وتقاليده".
وقبل فترة وأنا أكتب هذا المقال وتحديدا في إحدى حلقات فبراير 2008 شاهدت الداعية الإسلامي خالد الجندي في حوار مع الإعلامي محمود سعد في برنامج "البيت بيتك" على القناة المصرية يقول: أن من يمارس التعدد لغرض تذوق النساء حرام بل وأكد أن الأصل في الزواج واحدة. وهذا ما يخالف منهج عمنا الفاكهاني الذي حول المرأة من إنسان مكلف إلى فاكهة يأكلها ويرميها ومن ثم يغيرها وهكذا.... فسبحان الله كيف تحكمون؟!!
المشكلة تكمن في أن الرجل بمختلف خلفياته وأديانه وثقافاته لا ينطلق من أرض مشتركة وهو يحلل الأمور ويحرمها، فالشراكة تبدأ عنده بعد أن ينتهي من مرحلة التحليل وتوزيع الأدوار بالشكل الذي يرضيه وبالتفسير الذي يتوافق مع طبيعته أولا ومن ثم تأتي مرحلة الشراكة لاحقا وفقا لما توصل إليه من نتائج. 
لهذا فاختراق المرأة لكل مجالات الحياة مؤخرا بدأت تجبر الرجل أن يعيد النظر ويرجع ليقف على مربع الشراكة وإلى جانبه المرأة،شريكه الطبيعي في الحياة، ويجرب أن ينظر إلى الأمور من خلال إطار مشترك ينطلق بعده في تحليل أمور الحياة وتوزيع أدوارها ليجد نتائج تختلف كليا عن النتائج الأولى التي حكمتها نظرة واحدة ومنطق واحد. وفي هذا السياق أتذكر ذات مرة عندما كنت أناقش عالم دين يعيش في أمريكا حول التعدد وسألته لماذا لم يتزوج النبي على خديجة ولا علياً على فاطمة؟ أجابني بسرعة واستغراب "أنتِ لستِ خديجة ولا فاطمة" فرديت عليه"وأنت لست محمدا ولا عليا"! لقد استهجن أن أقارن نفسي بهاتين العظيمتين لكنه لم ير ضيرا في أن يقارن نفسه بالعظماء!   


وعودة إلى بداية التعدد في حياة النبي. فلو بدأنا من أول زوجة للنبي بعد فترة طويلة من الوفاء والحزن على زوجته خديجة سلام الله عليها. لوجدنا أن أول زوجة للنبي كانت سيدتنا سودة بنت زمعة، أرملة عمرها خمسة وخمسون عاما، توفي زوجها بعد أن أسلمت وكانت تخاف من بطش عائلتها التي لا تزال على كفرها فلما سمع بها النبي تزوجها لينقذها من بطش أهلها ويوفر لها الحماية! وكذلك الحال عندما تزوج بأم سلمة بنت أمية وهي مسنة وذات أيتام! 
ترى ما هو الدرس المستفاد من زيجات كهذه؟ هل كانت الرغبة في الزواج أو الجنس هو الهاجس الذي دفع النبي ليتزوج بنساء يكبرنه أو يعادلنه عمرا؟  ألم يكن الأحرى بالنبي أن يعدد في حياة خديجة عندما كان في ريعان شبابه ورغبته الجنسية؟ لذلك فالسؤال يطرح نفسه، لماذا عدد النبي في مرحلة متأخرة من عمره بعد أن ذهب الشباب وأفناه مع زوجة واحدة وبيت واحد؟ ولماذا معظم زوجاته مسنات وأرامل وذوات أيتام؟ 
ألا نرى في هذا تناغما واضحا مع الآية رقم 3 من سورة النساء والتي يقول فيها سبحانه وتعالى "وإنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً" وطاب هنا تعني " ما حل لكم من النساء" وليس ما اشتهيتم من النساء كما شرح لي د. طه جابر علواني عندما قابلته مرة في أمريكا في عام 2003 في الجامعة الإسلامية التي يرأسها في واشنطن. وكنت قد اصطحبت معي في ذلك اليوم سيدة تؤمن بتعدد الزوجات بالصورة التي يفهمها عمنا الفاكهاني فحدثت نفسي أنها قد تقتنع بالفهم الآخر عندما تسمع شرحا من عالم إسلامي.... لكنها لم تقتنع! 
وعلى كل حال فالأهم من هذا هو ربط التعدد في الآية بمسألة اليتامى أي النساء ذوات الأيتام وليس الزواج باليتيمات لأن في اللغة العربية لفظ يتيم أو يتيمة يطلق على طفل ذكر أو أنثى أما وقد كبر هذا الطفل فتسقط عنه هذه التسمية.   
والمقام هنا لا يتسع لعرض ظروف كل زيجة من زيجات النبي لكن أغلبها لو استثنينا عائشة وحفصة رضي الله عنهما اللتين سعى أبويهما أن يزوجهما بالنبي لتوطيد أواصر العلاقة الاجتماعية بينهم وبين النبي، فهي لا تخرج عن إطارين أو نموذجين إما كفالة اجتماعية (مطلقة، أرملة عندها أولاد، جارية يعتقها ليرفع من شأنها في مجتمع يحتقر ويضطهد الجواري والعبيد) تحمل في طياتها رسالة اجتماعية في غاية الأهمية لتعزيز مفهوم الرحمة الاجتماعية والتكافل والإحساس بالآخر، أو رسالة تشريعية كما هو الحال عندما تزوج زينب بنت جحش مطلقة ابنه بالتبني زيد بن الحارثة. يقول سبحانه وتعالى في هذا "فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا".
وجاء هذا الزواج ليبين أنه لا حرج أن يتزوج شخص من مطلقة ابنه بالتبني وهنا يظهر الجانب أو الهدف التشريعي لهذه الزيجة. فأين في هذين النموذجين، الكفالة الاجتماعية والرسالة التشريعية، أجد نموذج الفاكهاني؟ 
فحتى نموذج حفصة وعائشة رضي الله عنهما وهو نموذج قد نطلق عليه اجتماعي/سياسي لم يكن مدفوعا بغايات جنسية كما يروج الكثيرون وإلا لكان النبي سعى على الأقل للزواج بإحداهما وهو ما لم يحدث. إن صغر سن عائشة عندما تزوجها النبي كان لها أثرُ كبيرُ في تشكيل هذا الفهم الخاطئ للتعدد بدون أن يبحثوا في حقيقة الأسباب والدوافع بل وبإصرار غريب على رفض كل ما يناقض هذا الفهم حتى وإن جاء من علماء مثل الشيخ خالد الجندي الذي كرر في أكثر من مناسبة أن عائشة كانت في الخامسة عشرة أو السادسة عشرة من عمرها عندما تزوجها النبي واثبت هذا بأدلة كثيرة لم يقبلها حتى علماء آخرين فما بالنا بعامة الناس. 
لكن حتى وإن ناقشنا القصة المعتادة والتي تقول بأن النبي تزوج عائشة وهي طفلة في التاسعة، فلا يجوز أن نغض الطرف عن الظروف الاجتماعية المختلفة التي كانت سائدة في ذلك العصر. لقد كان العالم كله يتزوج بصغيرات السن حتى وقت قريب جدا والغرب لم يستنكر الجريمة المزدوجة التي أقدمت عليها ملكة النمسا وهي تزوج ابنتها الطفلة ماري انطوانيت لملك فرنسا الطفل؟! لأنه هذه الزيجات كانت ببساطة مقبولة اجتماعيا في ذلك الحين! وفي حين أن ملك فرنسا لم يعاشر زوجته الطفلة حياء وخوفا، فالنبي لم يعاشر عائشة فهما وتقديرا لسنها حتى بلغت وأصبحت في حكم ذلك الزمن إمرأة صالحة للمعاشرة!! 
يعني لو كان الجنس هو غرض النبي الأول من الزواج بعائشة لما كان تصرف بنبل أخلاق الأنبياء ولفعل مثلما فعل زوج الطفلة نجود ذات الثمانية أعوام والتي سمعنا ورأينا وقرأنا قصتها قبل أسابيع وهي تشرح كيف كان هذا الزوج الثلاثيني يعاشرها ويلاحقها من غرفة إلى غرفة بلا رحمة!! 
وأتذكر في المرة الأولى التي نشرت فيها الدانمارك الصور المسيئة للنبي عليه أفضل الصلوات والسلام كنت حينها أدرس الماجستير في لندن ودار نقاش طويل مع الطلبة حول نبي الإسلام ومن ضمن ما استنكره بعضهم كان زواج النبي بعائشة على صغر سنها وزينب بنت جحش وهي طليقة ابنه. فأجبتهم بسؤال فيما يخص عائشة رضي الله عنها وقلت: هل أنتم تستنكرون الجنس المبكر أم الزواج المبكر؟ لأن الجنس المبكر تمارسه المراهقة الغربية والمراهق الغربي بدون هذا الاستنكار والتقزز من قبلكم؟ أما الزواج المبكر وأنا على كل حال ضده قلبا وقالبا إلا إنه مقارنة بعواقب الجنس المبكر للمراهقة الغربية هو أفضل من الجنس المبكر الذي لا يوجد فيه حقوق تجبر الشريك الآخر الالتزام بها تجاه من مارس معها الجنس أو تجاه الطفل الذي جاء ثمرة لهذه الممارسة! 
أما بالنسبة لزينب بنت جحش رضي الله عنها فقلت لهم أني استغرب استنكارهم لزواج رجل من طليقة ابنه بالتبني بينما يقبلون بل ويدافعون عن زواج الرجال بالرجال وزواج النساء بالنساء!! فأي تناقض وازدواجية في المعايير أكثر من هذا!!   
إن محاولة رسم النبي أو فهمه في صورة المهووس جنسيا، حاشاه، من خلال قصة زواجه بعائشة أو زينب بنت جحش أو من خلال تعدد زوجاته بشكل عام  بدون أن يبحث في تفاصيل الموضوع وأسبابه وظروفه المحيطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية هي نتيجة فهم قاصر أو جاهل من البعض أو محاولة خبيثة مقصودة لتشويه صورة النبي عند البعض الآخر.
إن الباحث عن الحقيقة سيجد كل ما يعينه أن يصل إلى مفهوم التعدد بصورته الراقية التي وضعها الإسلام وسيصل حتما إلى أن زواج النبي الذي انحصر تقريبا لتحقيق أهداف تشريعية أو اجتماعية بحته يوضح بصورة لا تقبل الشك أن الزواج الثاني لم يشرعه الله ليخدم أغراض الرجل الجنسية وإنما هو عبء إجتماعي ثقيل غير ملزم بحمله أصلا وعليه قبل أن يحمله أن يتردد ألف مرة لأنه ليس مدعاة للمسرة والابتهاج خاصة وهو يعلم يقينا مقدار الأذى النفسي الذي سيلحقه بزوجته الأولى بصرف النظر عن الهدف النبيل الذي يبتغيه من وراء هذه الزيجة وكذلك مدى خطورة أن لا يحقق العدل الذي جعله الله شرطا ليتم زواجه الثاني!


والجنس وإن كان متصدرا أول قائمة الأسباب لتبرير تعدد الزوجات فقد أدرج منطق الفاكهاني أسباب أخرى كان من ضمنها أن الرجل من حقه أن يتزوج بدون سبب وبدون حتى معرفة الزوجة الأولى أو موافقتها!! وكأن هذه الزوجة مخلوق لا يستحق حتى أدنى درجات الاحترام وهي أن تعرف أن الشريك، الرفيق، ووالد أولادها، والذي وصف الله علاقتهما باللباس الذي لا يوجد أقرب منه إلى جلودنا بأنه في صدد شرخها وهدمها نفسيا بعد قليل!!! 
وهذا السبب بالذات يحتار المرء من أي زاوية يناقشه؟ فكيف تناقش سببا يقول (بدون سبب)؟؟ وإن كان هناك من سيقول بأنه لم يجد في الدين ما يلزمه أن يتزوج بسبب وأيضا لم يجد ما يلزمه بإبلاغ الزوجة الأولى!! لكنه وجد ما يلزمه بقهرها وظلمها بل أن منطق الفاكهاني ذهب إلى أبعد من هذا وقرر أن شعورها بالظلم والقهر هو إبتلاء من عند الله سبحانه وتعالى تؤجر عليه المرأة بينما هو في نفس اللحظة التي تؤجر فيه المرأة على قهرها يكون هو في غامر السعادة وبالغ السرور يأكل الموز والتفاح والعنب!!!
 ولا أعرف ما الذي منع الابتلاء هنا أن يقع على الرجل بدلا من أن يقع على المرأة؟! فالأولى هنا أن يصبر الرجل ويحارب شهوته التي لن تكفيها نساء الأرض جميعا ويحتسب هو الأجر على هذا الابتلاء! فهنا مفهوم الابتلاء أوضح وأعمق ويتناغم مع الخط العام للإسلام الذي يرى أن الإنسان، المرأة والرجل، لم يخلق ليكون عبدا لشهواته بل كرس مفهوم السيطرة على الشهوة بكافة صورها وإعمال العقل ليستحق هذا الإنسان المرتبة التي ميزته عن الحيوان. فلماذا لا يفكر عمنا الفاكهاني أن يصبر هو على أكل نفس الفاكهة يوميا بما أن الأجر يعنيه إلى هذه الدرجة بدلا أن يفرض هذا الأجر على المرأة؟              
ومن ضمن الأسباب الأخرى التي تجافي المنطق والممارسة الواقعية هو سبب مشهور يقول أن النساء أكثر عددا من الرجال وهذا أدى إلى مشكلة العنوسة في العالم لهذا فالتعدد يخلق حالة توازن في المجتمع ويعطي المرأة حقها في ممارسة الجنس وتكوين أسرة وهذا السبب أو التبرير نستطيع أن نجد له على مضض مكانا تحت النموذج الأول الذي مارسه النبي وهو نموذج الكفالة الاجتماعية على أساس أن الهدف هنا اجتماعي لا جنسي. 
لكن وبالنظر إلى معظم حالات التعدد التي تحدث حولنا نكاد لا نجد لهذا المنطق وجود! فالتعدد من خلال قراءة الواقع زاد المجتمع إختلالا! فأول ما يبحث عنه الرجل في الزوجة الثانية هو أن تكون صغيرة السن وإن كان جاوز السبعين، لم تتزوج من قبل وبطبيعة الحال ليست من ذوات الأيتام، ليستعيد معها أيام الشباب كحالة عمنا الفاكهاني، وإن كان شابا فليعوض سوء اختياره في المرة الأولى أو لأسباب أخرى لا مجال لشرحها الآن! وهذه بالذات هي المرأة التي لم تهجرها بعد فرصة الزواج ولا يزال في الأفق ما يلوح بأكثر من عشرين فرصة في أن تجد من يضمن لها الاستقرار المعنوي والجنسي. 
والنتيجة الطبيعية لهذا النوع من التعدد هو في الواقع المساهمة في زيادة نسبة العنوسة وبقاء من يحتجن فعلا إلى معيل من فئة الأرامل بدون معيل. إذن أين نجد تحقيق التوازن في المجتمع من خلال هذا النوع من النساء الذي يختارها الرجل لتكون زوجته الثانية؟ 
ثم ماذا نفعل في مجتمع مثل الهند الذي يزيد فيه عدد الرجال عن عدد النساء؟ هل تتزوج المرأة بأكثر من رجل لتحقيق التوازن النفسي والجنسي والأسري للرجل؟ لأنه حتما في ظل هذه المشكلة سيبقى رجال بدون زواج ومن حقهم أن يتمتعوا بهذا الاستقرار. 
بل أني قرأت مؤخرا مقالا نشر يوم 27 مارس 2008 على موقع العربية.نت يناقش إباحة الأزهر لتحديد نوع الجنين! وبما أن هذا العلم أصبح واقعا فلا يحتاج لكثير من الذكاء أن نتخيل نوع الجنين الذي سيختاره المسلمون لأبنائهم!! وبناء على هذه الفرضية سنجد بعد فترة ليست بالبعيدة طفل أنثى مقابل عشرة أطفال ذكور! فما هو الحل حينئذ؟ أن تتزوج المرأة بأربعة رجال لتحقيق الاستقرار المنشود للمجتمع!؟     
وحتى لو نظرنا إلى هذا كفرضية قد لا تتحقق يظل من الأفضل أن لا نعول كثيرا على هذا التبرير لأنه أثبت فشله من خلال واقع نوع المرأة التي يختارها الرجل لتكون زوجته الثانية وحتى الثالثة والرابعة. ثم لو كان تحقيق هذا التوازن في المجتمع من خلال التعدد على هذا القدر من الأهمية والخطورة فلماذا لم يجعل الله التعدد هو الأساس؟ وبمعنى آخر لماذا جعل الزواج الثاني أمرا اختياريا ولم يلزم الرجل به؟ ولماذا ربط الله التعدد بمسألة العدل وهي مسألة صعبة التحقيق تكاد تقيد مسألة التعدد كليا؟ولماذا ظهر حبه وخوفه على عبده عندما قال سبحانه وتعالى "وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة" وفي هذا توجيه بل وتشجيع صريح وواضح للرجل أن يلزم زوجة واحدة لأن الله يعلم مغبة الظلم وإلى أين سيقود صاحبه!!


من جملة الأسباب أيضا أن بعض العلماء يرون في التعدد حماية للمجتمع من الوقوع في الزنا. وهذا يرجعنا مرة أخرى إلى الأسباب الجنسية التي لم نجد لها أثرا في أسباب تعدد زوجات النبي عليه السلام لكنه يؤكد منطق عمنا الفاكهاني الذي صور الرجل مثل آلة جنسية متحركة أو حيوان لا يستطيع أن يسيطر على شهواته. 
والحقيقة أن المجتمع العربي المسلم وفي أكثر الدول أو المجتمعات تشددا يمتلئ ببيوت الدعارة وكثير من مرتادي هذه البيوت متزوجون ومحصنون جنسيا!! ومنهم من عنده أكثر من زوجة وآخرون عزاب اختاروا الزنا على الزواج رغم قدرتهم على تأمين تكاليف الزواج. 
لذلك علينا أن نواجه الواقع بشجاعة أكبر ونعترف أن العازب المسلم يختار الزنا على الزواج مع قدرته على الحلال والآخر يزني وفي ذمته زوجتان وأكثر لأن تنشئته الاجتماعية والدينية الخاطئة خلقت منه رجلا مهووس جنسيا! هذه التنشئة الخاطئة التي لم تهذب دوافعه الجنسية كرست مفهوم تفوق رغبة الرجل الجنسية على المرأة وعدم قدرته على السيطرة عليها وعززت هذا المفهوم المغلوط من خلال تفسير التعدد كحل إلهي جاء ليخدم هذه الرغبة الجنسية التي لا تكفيها إمرأة واحدة. 
هذه التنشئة التي تجعل من أسر كثيرة محترمة ومتدينة تقبل أن تزوج بناتها برجال يعلمون يقينا بأنهم قد مارسوا الزنا قبل أن يتقدموا لخطبة بناتهم ورغم هذا فسنجد نوع من التواطؤ الضمني الذي استماح لزوج أبنتهم العذر على أساس أنه رجل وغريزته كانت أقوى من قدرته على السيطرة عليها. 
بالتأكيد هناك صور كثيرة لا حصر لها تدلل على هذه التنشئة الخاطئة والتي هي السبب الرئيسي في الوقوع في الزنا أو في ممارسة التعدد. فلو كان الرجل منذ صغره تلقى نفس الثقافة الجنسية التي تلقتها المرأة (ثقافة القمع والعيب والحرام) لاختلفت النتائج كليا وهذا ليس قبولا مني بطريقة التنشئة الجنسية للمرأة فهي ثقافة أخرى خاطئة. لكني أريد من خلال هذا أن أؤكد على أهمية ما نتلقاه ونتعلمه وخطورته على كيف نطبق الحياة بشكل عام بعد أن نكبر. 
إن الرجل المسلم يكبر على ثقافة تتلمس له كل أوجه الحلول والأعذار والتسامح وفي المقابل لا تتهاون مع المرأة في ابسط الأمور. يكبر على ثقافة الجنس المفتوح وهو يعلم مسبقا أن الشرع والشارع في صفه! الشرع الذي طوع تفسير التعدد لخدمة رغباته الجنسية والشارع عن طريق الزنا الذي يقدم عليه ببساطة لأنه ركن إلى تسامح وتهاون المجتمع معه. ه
ذه الثقافة المزدوجة لم تورث لدى الرجل هوسا جنسيا فقط ولكن ورثت عنده إحساس بالأفضلية والنظر إلى المرأة كمخلوق ثانوي خلق لأجل خدمته وهذا أفضى إلى منطق عمنا الفاكهاني الذي جعل يعيث في المرأة جنسا ولا يرى فيها أكثر من قيمة جنسية خلقها الله لترضي شهوات الرجل.
إن مسألة التعدد في حد ذاتها ليست المشكلة بقدر ما هي النظرة العامة للمرأة فلو تعافت هذه النظرة وارتقى المجتمع لانتهت مسألة التعدد تدريجيا. ورغم انفتاحي على أي حلول تصل بنا إلى المجتمع الذي أراده الله عندما وصفنا بأننا كنا خير أمة أخرجت للناس، إلا أنني أرى أن استصدار قانون ينظم مسألة التعدد ربما يكون الحل في هذه المرحلة. وأنا هنا لا اقترح أن نلغي التعدد كما فعلت تونس مثلا لأن في هذا ضرر في الحالات التي تستدعي التعدد لأسباب مثل مرض الزوجة أو عدم قدرتها على الإنجاب فقانون مثل قانون تونس يجبرني إما أن أهضم حق الرجل في أن يصبح أبا وإما أن أهضم حق الزوجة الأولى التي لا تريد الطلاق وترضى أن تعيش في ظل وجود زوجة ثانية!! 
وأكاد اسمع من يقول: وماذا عن حق المرأة عندما يكون الزوج مريضا أو غير قادر على الإنجاب..!؟ هنا نقول أن الإسلام لم يقيد حرية المرأة وإن هي اختارت أن ترضخ للعيش معه لأسباب اجتماعية بحته أو حتى عاطفية فهذا خيارها وعليها أن تتحمل مسئولية هذا الخيار وترضى به فالمرأة مسئولة قبل غيرها عن تغيير واقعها ولا يجوز أن نستغرق في الدفاع عن حق على حساب حق آخر لأن حقوق الإنسان لا تتجزأ ولا تنفصل عن بعضها! وحتى لا يلتبس الفهم في مسألة القانون الذي ينظم مسألة التعدد، فأنا أعني هنا قانونا يضع شروطا وضوابط لإجازة الزواج الثاني بحيث لا تكتمل شرعيته إلا بحكم من قاضي الأحوال الشخصية بعد تحري السبب والتأكد منه وسماع رأي الزوجة الأولى. 
كذلك لا يجوز أن يكون التعدد بابا مفتوحا لكل من هب ودب من الرجال. فالمعروف مثلا أن من اشتهر بسفهه أو بظلمه أو بكذبه أو حتى بإسرافه يحرم من حقوق كثيرة كفلها الإسلام. فعلى سبيل المثال، لا تقبل شهادة من عُرف بسفهه أو كذبه ولهذا يشترط في الشاهد أن يكون من العدول وهو الشخص المشهور بالعدل والحق في محيطه. فلماذا باب الزواج ولن أقول التعدد، مفتوح لكل من هب ودب؟ وكيف نرضى أن نزوج من اتصف بصفات يتحفظ الإسلام من إعطاء حقوق بعينها لمن يتصف بها؟ فشرط العدل في الشهادة هو لتحقيق العدالة والحق فلو أخذنا شهادة من هب ودب لاستحال تحقيق العدالة وكذلك في الزواج، سواء عند الزواج بأولى أو في حالة التعدد، لو تزوج كل من هب ودب لاستحال تحقيق الاستقرار الجنسي والمعنوي والأسري والذي من أجله سن الله الزواج! لذلك فالأخذ بكل هذه الاعتبارات من قبل القاضي سيقيد مسألة التعدد بشكلها العبثي الحالي ويحصرها في مكانها الصحيح الذي من أجله شرع الإسلام التعدد. 


إن التعدد وكثير من قضايا الإنسان بشكل عام تحتاج إلى قراءة جديدة وتمعن أكبر. وعلى علماء الدين الاعتراف أنهم كما نحن، كلنا أبناء بيئتنا. وهذه البيئة والتنشئة الاجتماعية تشكل الجزء الأكبر من وجداننا وقيمنا ورؤيتنا للأمور وهذا كله ينعكس شئنا أم أبينا على قراءتنا وتحليلنا واستنتاجاتنا وتفسيراتنا. 
لهذا نرى أن عالم الدين المصري يختلف في رؤيته لأمور كثيرة عن عالم الدين اليمني وعالم الدين اللبناني يختلف في رؤيته عن عالم الدين التونسي.. وكلهم في النهاية علماء وكلهم يمثلون ذات الدين وذات القيم والمفاهيم لكن كلا من منظور مختلف عن الآخر. بل أن العلماء الذين ينتمون إلى نفس البلد تختلف تفاسيرهم ورؤاهم للأمور. 
يقول المرجع الشيعي الكبير السيد محمد حسين فضل الله في كتابه (من وحي القرآن) في مسألة تأثير البيئة على فهم علماء الدين للنصوص القرآنية وتفسيرها، وهو لا يتناول هنا موضوع التعدد وإنما موضوع الحجاب كما يراه هو (ظهور الوجه والكفين) وكما يراه غيره من المفسرين (ستر الوجه كاملا)،  "والظاهر أن هذا النوع من الاجتهاد في فهم القرآن في أحكامه التشريعية، خاضع للواقع الذي يعيشه المفسّر في محيطه في طريقة الحجاب، مما يجعل هذه الصورة قريبة إلى ذوقه وفهمه، فيؤدي به ذلك إلى أن يفهم القرآن على هذا الأساس.. وربما كان ذلك هو المسؤول عن كثير من فتاوى الفقهاء في وجوب ستر الوجه والكفين."  
ونظل نحن عامة الناس مرهونين لهذه الرؤى إما جهلا وإما خوفا من السؤال والنقاش ليس فقط بسبب الثقافة التي أغرقتنا في تمجيد علماء الدين وتنزيههم والانصياع لكل ما يقولون مهما جافى وتناقض مع العقل والغاية من التشريع، بل لنتجنب الويل والثبور وعظائم الأمور في ظل موجة التكفير وهدر الدماء التي أصبحت هذه الأيام كما يقول أخوتنا في مصر (على قفى من يشيل). 
إننا حقا نعيش عصور الظلام الأوروبية حينما استأثرت الكنيسة بالتفكير والتفسير وحرمت  العلم والمعرفة والسؤال والنقاش وقامت بحرق كل من سولت له نفسه أن يفكر ويجتهد  في أي من مجالات العلم واليوم نرى أي مآل آلت إليه الكنيسة بسبب استعلائها وبنائها حاجزا بينها وبين الناس توقف معه التواصل الطبيعي مع الإنسان الآخر الذي يعيش خارج أسوار الكنيسة وعجزت معه أن تخاطب التجدد والمتغيرات مما أدى إلى قيام عصر النهضة على أنقاضها.   
لذلك نرى أن العلماء في مختلف المجالات، الدين، الفيزياء، الفضاء...الخ، هؤلاء الذين أحدثوا ثورة أو نهضة من أي نوع في حياة البشر، هم الذين ترجلوا عن قافلة السائد ووقفوا لينظروا إلى الأمور من زوايا مختلفة، هم الذين انطلقوا من ارض مشتركة، هم الذين نبذوا فكرة إقصاء الآخر لأنه يختلف معنا وطرحوا بشجاعة أفكارهم وأوذوا وقتلوا في سبيلها. 
نحن المسلمون كنا ولا نزال نحمل هذا الدين رسالة على عاتقنا وحتى اللحظة فشلنا في نشرها بالطريقة الصحيحة، فعندما ملكنا القوة اخترنا السيف لنشرها وعندما خذلتنا القوة (لأننا خذلنا الإسلام) اخترنا التكفير والإرهاب لنشرها ونسينا أن الله أمرنا أن ندعو إلى دينه بالحكمة والموعظة الحسنة! 
إن تبني منطق الفاكهاني بصوره المتعددة لا يعبر عن أمة تؤمن أنها تحمل دعوة عالمية تناسب كل الثقافات لأنه ببساطة منطق يجب أن يتعافي منه المجتمع لا أن يعممه على مستوى الكرة الأرضية! لهذا لزم علينا قبل غيرنا أن ننتج ونصدر نماذج مشرفة للإنسان المسلم تعكس بطبيعة الحال مفهوم عالمية الإسلام. وهذا لن يحدث إلا إذا ترجلنا عن قافلة الخوف من ترك السائد وقررنا أن نغربل مفاهيمنا وقيمنا من العفن الذي أصابها ونعيد إنتاجها في ظل متغيرات كثيرة أرى أن تجاهلها أو محاولة إقصاءها بالتكفير والترهيب لن تصل بنا إلا إلى مزيد من الدمار والتخلف.


إن المرأة بين منهج عمنا الفاكهاني وبين منهج نبينا المصطفى عليه وعلى آله أفضل الصلوات والتسليم هي بين منهج ينظر إليها كقيمة جنسية ومنهج ينظر إليها كقيمة إنسانية ويخاطبها خطابا متساويا مع الرجل ويكلفها ويحملها مسئولية كاملة عن تصرفاتها وأفعالها. إن هذه الفجوة التي تزداد عمقا بين المنهجين هي فجوة خطيرة علينا ردمها سريعا بالحوار الجاد ونبذ هذا الخوف من مراجعة تفاسير النصوص وغربلة بعض المفاهيم المتشنجة التي أغرقت مجتمعاتنا في سلسلة طويلة من التخلف الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.    

حنان الوادعي
 مايو 2008