الأربعاء، 11 يناير 2017

عيد الميلاد فى منزل اسرة مسيحية للصديقة كارولين كامل


عيد الميلاد فى منزل اسرة مسيحية.. طاجن اللحم والبهريز على رأس الوليمة.. والدعوات لسوري


"العيد بالنسبة لي أسرتي الكبيرة.. وصلاة القداس في الكنيسة.. وبيت جدتي الذي يجمعنا كلنا".

سلفانا سمير، 30 عاماً، التي تنتمي لعائلة "سيحة" إحدى أكبر العائلات المسيحية في مدينة المنيا بصعيد مصر، كانت في طريقها من كنيسة الراعي للأقباط الكاثوليك، إلى منزل جدتها برفقة زوجها وطفلتها فريدة وآخرين من أسرة سيحة، مساء أمس الجمعة 6 يناير/ كانون الثاني.

بدأت طقوس صلوات قداس ليلة عيد الميلاد المجيد في الساعة السابعة مساء، وعادة ما تنتهي في الواحدة بعد منتصف الليل، ولكن لدواع أمنية اضطرت الكنائس أن تنهي الصلوات في الحادية عشرة.

القس أندراوس من كنيسة الراعي حيث تحضر عائلة سيحة القداس، تحدث في العظة عن سوريا التي لقبها بـ "سوريا الشهيدة" التي رفع عنها صلوات، وقال إن البشرية لن تتجاوز الموت والخوف إلا بالثقة في الله، والمحبة التي حملها المسيح بميلاده. 

توافدت الأسر على الكنيسة برفقة الأطفال، الذين جلسوا في مقاعد مخصصة لهم، فيما بعض الخادمات يحاولن السيطرة عليهم للحفاظ على الهدوء داخل الكنيسة أثناء الصلاة.


كوب من عصير طواجن اللحم


منزل قديم صغير مكون من طابقين بجوار كنيسة الراعي للأقباط الكاثوليك في مدينة المنيا معروف بمنزل عائلة سيحة، يحتضن في كل مناسبة العشرات من أفراد الأسرة. 

الجدة الكبيرة أم محسن تقترب من عامها التسعين، تجلس على الكنبة بجوار الباب في انتظار عودة أبنائها وأحفادها من قداس العيد، فتدخل النساء مسرعات للمطبخ بينما يجلس الرجال والشباب في انتظار طعام العيد.

ورغم صغر المنزل، إلا أنه يحتضن كل عام أعضاء جدداً من الأسرة، حفيداً أو زوجاً لإحدى البنات، أو زوجة لابن. ويتسابقون في ليلة العيد على شرب كوب "الطاجن" الساخن قبل تناول الطعام.

40 يوماً امتنعت فيها أسرة سيحة عن تناول اللحوم والدواجن والألبان بمشتقاتها، واكتفوا بتناول البقوليات والأسماك والمطهوه كلها بالزيت، وهي مدة الصيام التي يصومها المسيحيون قبل عيد الميلاد، ويسمى بـ "صوم الميلاد"، وهو ثاني أكبر صيام يصومه المسيحيون، إذ يُعتبر صوم "الخمسين المقدس" 55 يوماً هو الأكبر ويسبق عيد القيامة كما أنه لا يسمح فيه بتناول الأسماك أيضاً.

تصوم الأسرة انقطاعي، أي بدون طعام أو شراب، قبل قداس ليلة الميلاد في ليل 6 يناير/ كانون الثاني، ويبدأون في أكل اللحم بعد انتهاء القداس، أي بعد الـ12 بعد منتصف الليل/ صباح يوم 7 يناير، صبيحة العيد، "كوباية الطاجن هذه هي أول حاجة لازم تنزل المعدة بعد 40 يوم زيت وفول"، تضحك سلفانا وهي تتحدث عن تقليد عائلاتها بتناول كوب شوربة الطاجن قبل البدء في تناول الطعام.

"شرب الطاجن ده يعمر الدماغ" تضحك أم محسن ويشرق وجهها البشوش. تتحدث الآن عن أحد الأطباق الرسمية في منزلها وهو الطاجن. "عبارة عن لحم مسلوق مضاف إليه عصير الطماطم والسمن وبهاريز اللحم من عظام الأكارع، أي النخاع". الوجبة شديدة الدسامة، ويتم طهيها في طاجن فخاري كبير، ويتم تناول الشوربة في أكواب. يقول أحد أبناء أم محسن: "ده ويسكي ليلة العيد".


من هنا عبرت العائلة المقدسة إلى جبل الطير


أحد طقوس صلاة القداس هو قراءة جزء من الإنجيل، وفي صلاة قداس ليلة عيد الميلاد تتم قراءة الجزء الخاص بميلاد المسيح في مدينة بيت لحم، ومحاولات الملك هيرودس الوصول للمسيح لقتله، ثم هروب العائلة المقدسة من فلسطين لمصر. في رحلة السيد والعذراء إلى مصر، كانت مدينة المنيا في صعيد مصر واحدة من أهم المحطات، حيث قضت العائلة فترة في الجبل، وبُني في مكان إقامتها دير العذراء في جبل الطير.

"النهاردة عايزين نرحب بمونيكا خطيبة رامي، أول عيد ليها معانا".

كانت سلفانا تقدم للجميع أكواب الشوربة، وهي تُرحب بالعضو الجديد في أسرة سيحا، وتوجه لها النصائح حتى تنجو بنفسها في "مجزرة ليلة العيد" كما يسمونها. "لو ما عرفتيش تمدي إيدك تاكلي وتزاحمي، تجوعي هنا".

يضحك الجميع وتلتقط إحدى نساء الأسرة طرف الحديث من سلفانا وتقدم نصائح أخرى.

صينية من المعدن مملؤة بالطماطم والخيار تتوسط السفرة ويمد الجميع أياديهم للأكل منها، "دي بقى اسمها تصبيرة على ما الأكل يجهز". يقول زوج سلفانا الذي ينتظر برفقة الرجال إعداد الطعام على السفرة، بينما يقضم الخيار.


حادث التدافع على مائدة العيد


في مطبخ صغير تقف النساء يقلبن طاجن اللحم، ويفرغن كميات كبيرة من الأرز في أطباق تقديم كبيرة، بينما تشرف واحدة منهن على تقسيم الطعام ليكفي الجميع، وتجلس الجدة تتابع في هدوء الصخب والشغب الصادر من الشباب، ويحتضنها ويقبلها الجميع طوال الوقت فهي تميمة الخير بالنسبة لهم.

يخرج طبق كبير من اللحم يتصاعد منه البخار وتضعه واحدة من النساء في منتصف السفرة، يقفز الشباب ليجدوا أماكانهم على السفرة وتضحك النساء على التدافع، بينما تُحضر أخرى طبقين كبيرين من الأرز فيمد أحد الشباب يده ليأخذها منها.

اجتمع العشرات من عائلة سيحة في حيز ضيق. يضحك الجميع ويتبادلون النكات وعادة يكون الفرد الجديد في الأسرة هو مثار اهتمامهم، ووسط الضجيج وحديث الجميع في وقت واحد الذي يبدو كمهرجان. يرتفع صوت رنا ابنة الخالة سلفانا من مدخل الحجرة الصغيرة يخترق هذا الضجيج: يا جماعة مش معقول كدا. اللحمة نزلت على طرابيزة الشباب، وطرابيزة الأطفال لسه مش عليها لحمة.

تضحك سلفانا وتقول لتوضح طلب رنا "إحنا اتربينا هنا على أن في حاجة اسمها طرابيزة الشباب ودي بياكل عليها الرجالة.. وفي الأوضة الصغيرة طرابيزة اسمها طرابيزة الأطفال بتاكل عليها الستات والأطفال.. عشان المكان مش بيكفي كلنا سوا".


الفهد يهبط على مائدة الوحوش


قدمت سلفانا النصائح العلنية لكل من يريد قضاء العيد في منزل سيحة. "لازم الواحد يكون سريع كالفهد حتى يلتقط قطع اللحم من بين أيادي الوحوش، لازم يتخلى عن الكسوف والحرج ويشعر بأنه في منزله". ترحب الجدة أم محسن بالأغراب أيضاً، وتجد متعة في أن تتلقى الزيارات من الجيران، فكل من حولها مسيحيين ومسلمين يحبونها ويتسابقون في السؤال عليها، فهي الأم والجدة وبمثابة صورة صعيد مصر الخير.

عيد الميلاد الذي جاء هذا العام محملاً بالحزن للمسيحين في مصر لتفجير كنيسة "البطرسية" الذي راح ضحيته 28 قتيلاً وقتها، وارتفع الرقم بعد وفاة مصابين. هنا وفي كل مكان في العالم، "سوف تتجاوز البشرية الموت والخوف بالثقة في الله" كما قال القس أندراوس في كنيسة الراعي قبل قليل، وها هي المحبة تربط عقد هذه العائلة الكبيرة وعلى رأسها الجدة أم محسن التي تنظر كل عام لأفراد أسرتها بفخر فهم عزوتها كما يقولون في صعيد مصر.


ليست هناك تعليقات: