بنات و سيدات دولة الانقاذ

صفحة صور السودان القديمة علي الفيسبوك تحظي بجمهور هائل و حنين عارم للماضي حيث نري صور لاجيال لم تعاني ما نعانيه جميعا اليوم من امراض اجتماعية،  نري الناس تتحسر علي كل شئ  شكل المدينة و نظافتها، لياليها و سهراتها، محالها واحياءها، الحرية التي كان يتمتع بها الناس في المظهر العام المحترم والمظهر العام للسيدات علي وجه التحديد فحينها لم يعرف المجتمع ما يسمي ببوليس النظام العام و الارهاب الذي مورس علي السيدات في بدايات التسعينات بأختراع ظاهرة جلد السيدات و الفتيات في اقسام البوليس والجريمة ارتداء بنطلون مثلا ، تلك كانت سابقة مشينة لم تحدث من قبل ،

  منذ ان عرف المجتمع السوداني فكرة بوليس النظام العام مطلع التسعينات مع بدايات دولة الانقاذ و اصبح مظهر السيدة و الفتاة كئيبا، سلب منها بهاءها وحريتها و غيبت عمدا عن جمال طلتها خارجيا و انطلاق روحها داخليا

ان ظاهرة فرض مظهر معين علي السيدات ليس امرا بسيطاً وليس امرا عابرا ولا مجال فيه لأدعاء المحافظة علي الاخلاق والقيم ، فالجميع   يعلمون ان الاخلاق قبل دولة الانقاذ كانت لا تقارن بما وصل اليه الحال من تردي و انحطاط و ذلك البرقع الحديدي علي الرأس لم يمنع انحطاط  القيم بل وتلاشيها تماما، فكما تعلمون اننا الان و بعد اكتر من 26 عاما نعيش في ازهي عصور الفساد والانحطاط والاحباط الاجتماعي، لأن الاخلاق ليست مظهرا فقط وانما سلوك و روح الحضارة التي لم ولن يفهمها هؤلاء ابدا

انني اريد ان اسأل اسئلة بعينها ..

هل كان المجتمع منحرفا يحتاج لحكومة ان تربيه و تعلمه القيم والاخلاق؟

و هل هذه الدولة تمتلك الاخلاق في ذاتها لتعلمها لغيرها؟

كيف اذن استطاع هذا النظام ان يغير مفاهيم و افكار الناس و بالتالي مظهرهم؟

 كيف استطاعوا تغيير السيدة السودانية من سيدة انيقة و محترمة الي سيدة مبرقعة مهترئة القيم؟

ان المشهد الاكثر إيلاما هو مشهد الصغيرات في مرحلة الثانوي في المدارس الحكومية وهن يرتدين ملابس المدرسة بأقمشة بدلات عسكرية، وكأن الفتيات مجندات تجنيد لا شعوري و تذكير دائم لحالة الحرب النفسية والاهلية، و هذه ليست صدف و ليست قرارات بدافع الجهل و التخلف   انها حالة ممنهجة من تدمير الانسان و تحويله لمسخ

من المشاهد القبيحة الاخري، مشهد حراس الجامعات الحكومية فيما يسمون “بالمرابطين” ومهمتهم الاساسية هي التدقيق علي ملابس الفتيات اذا ما كانت حجاب ام لا، علي حسب رأي المرابط/المرابطة النبيهة اذا رأت انه حجاب متوافق مع رأيها و مستوي عقليتها اذن فستسمح متكرماً  للطالبة بالدخول للجامعة و اذا رأت غير ذلك فلها كل الحق والصلاحيات ان تمنعها من الدخول و بوقاحة كبيرة تعرفها كل من تعرضت لهذا الموقف المهين وكأنها ليست مؤسسة تعليمية و كأنها معتقل سياسي او سجن النسا، و علي ذلك يصبح المرابط او المرابطة متحكمة في اسلوب مظهر الطالبة ومنحها الرضي او السخط، بعض المرابطات بتلذذن بإذلال البنات ويستمتعن بترجي الطالبات للسماح لهن بدخول الجامعة، حينها تشعر المرابطة بنشوة كبيرة كونها استطاعت اذلال البنات بحقدها الكبير ورغبتها في ان يكون لها السمع والطاعة وهي رغبة ومصدر قوة موظفين المؤسسات الحكومية عامة نسبة لقلة الخبرة والجهل الشديد فيتم سد تلك النقائص بالتلذذ باذلال الناس  

إن غسيل المخ لم يشمل المؤسسات الحكومية فقط وانما تخلل بيوت الناس وافكارهم وادارتهم لأسلوب حياتهم، فالأم التي كانت بالامس شابة يافعة و متحضرة في السبعينات وهي تمارس حياتها بكل حرية و اتزان وترتدي احدث الموضات لا تقل عن اي سيدة في العالم تستنكر علي البنت اليوم  التي لا تضع قطعة قماش علي رأسها، احيانا الاسرة كلها تتبني تلك المواقف الدخيلة و تفرضها علي البنت، واحيانا تتم هذا العملية بسهولة و سلاسة من البنت نفسها فهي اصبحت ممارسات اتوماتيكية لا شعورية يتبناها معظم الناس وكأنهم اختاروها وهي فرضت عليهم اساساً، و اذا افترضنا جدلا ان هذا هو اختيار المجتمع و لم يتم فرض اساليب معينة عليه اذن فلماذا كل ذلك العويل علي الماضي وعلي الحياة والذكريات و الحنين لأبسط الاشياء؟ و يقال ببساطة كبيرة “زمان ما زي هسا” ما الذي اختلف الان ؟ هي فقط عقولنا و وعينا الذي اختلف، و هل تقيس قطعة القماش هذه مدي احترام هذه الفتاة لنفسها وعقلها ام لا، هذه الافكار الغير عادلة والتي لم تكن ذات قيمة و وزن قديما و استحدثت علينا لا يجب ان ، نتبناها وكأننا نحمي ثعبانا ساما في بيوتنا و دواخلنا و وجدان مجتمعنا، ولأن اول خطوة ي طريق اصلاح ما افسد الدهر هي الاعتراف بوجود خلل ، اذن فلنعترف ان قيمة ما سلبت منا

انني لا اقول للفتيات لا تتحجبن، من تريد ان تتحجب فهي حرة تفعل ما يحلو لها و لها ايضا كل الاحترام فحق الاختيار شئ مكفول للجميع و علي قدم المساواة، ولكن المرفوض تماما هو تدخل الدولة والاسرة في فرض مظهر معين علي عموم السيدات والفتيات و اعتبار ان النقيض من ذلك المظهر هو تعريف الانحراف و خراب الاخلاق، هذا مبدأ غير سوي

ان 2016 ليست كالتسعينات ، فانخفضت موضة بوليس النظام العام بشكل كبير ، ولكن اصبح هناك بوليس نظام عام في عقل كل انسان ، ذكر كان ام نثي، وهنا تكمن الخطورة الكبيرة ، انني في هذه الظاهرة اعترف لدولة الانقاذ بالذكاء و النجاح في التسلل لعمق افكار و ميول الناس و توجيههم في غياب تام للوعي و التمييز بين ما كنا عليه وما اصبحنا فيه اليوم

هذا المقال ليس لمهاجمة المجتمع ككل فهنالك من هم يدركون مدي المصيبة، ولكن النقد احيانا لابد ان يكون قاسيا لأن مصير الشعوب لا تقرره لا الشعوب نفسها و حينما تركنا مصيرنا لهذا النظام اصبح الحال لا يسر عدو ولا حبيب ، و كما يقول المثل المصري، يا فرعون مين فرعنك قال مالقتش حد يصدني! فياللبؤس

انني مثلما ادعوا كل سيدة وفتاة للرجوع لأنوثتها و مظهرها الانيق النقيض لأناقة سيدات المؤتمر الوطني المفروضة جبريا علي معظم سيدات السودان فأنني ادعوا ايضا للمحافظة علي العرف المحلي، و انه لشئ جميل ان تعرفن ماهو العرف المحلي و الحفاظ علي لونه وطابعه ، فسيدات السودان لا يرتدين البكيني في الشواطئ كالسيدات المصريات في الاسكندرية والغردقة علي سبيل المثال، ان معرفة واحترام مزاج المكان سيعطيك راحة كبيرة في تحديد مظهرك و الانسجام مع الاسلوب المحافظ للمجتمع، و لابد ان تعلمي ان حريتك الفكرية ينتج عنها كل ش  في حياتك من ضمنها مظهرك 

اخيرا، إن مخطط ارهاب البنات والسيدات بالجلد و التخويف ليس غرضه بث الاخلاق في المجتمع و اي اخلاق التي تنشر بهذه الاساليب! وانما الهدف الاساسي والذي يجب ان ننتبه اليه هو ان هذه الممارسات الظالمة هدفها طمس و انهاء شخصية السيدة السودانية و تحويلها لشخص لا كيان له و ان تغيير المظهر لهو بالتأكيد يستصحبه تغيير الجوهر !

ان عقيدة التمكين عند النظم الاسلامية ليس فقط تمكينا للمؤسسات و قوانين الدولة و انما هو ايضا تمكينا لافكار هذه الدولة او هذا النظام في عقول و وجدان الناس و انه لعمل شاق ان نستطيع الفكاك من هذا التلوث و لكنه ليس بالامر المستحيل فبداية كل شئ تكون بالوعي و التفكير في كيفية التخلص العاقل المتزن الحكيم من هذه الافكار البالية شديدة الخبث والتعمق في خلايا المجتمع وانها لمن أنبل المهمات ان نساهم في انقاذ مجتمعنا و انسانيتنا و حضارتنا و انفسنا ولو بالكلمة 

 

حجاب المراة هو عقلها

وعندما يهترئ ذلك الحجاب يهترئ معه شرفها حتي ولو تبرقعت بالحديد .