ثورة البشموريين الكبرى في عهد الخليفة المأمون العباسي
عندما نقول ثورة البشموريين الكبرى فنحن نعني في الاساس أن هناك عدة ثورات أخرة سبقتها و لكنها كانت الاقوى و الأشهر و الأعنف و كانت الأقرب لتحقيق أهدافها و هي تحقيق الاستقلال لمصر عن الهيمنة العباسية عليها و إعادة مصر لمواطنيها المصريين
أول أمر يجب الوقوف عنده الآن هو نفي عدة اساطير تحيط بتلك الثورة سواء من حيث علاقة المصريين بالوجود العربي ( فتحا كان أو عزوا أو احتلالا ) و علاقة ذلك بالإسلام و هل كانت الثورة منحصرة في منطقة البشموريين فقط ( شرق الدلتا الحالية ) و هل كانت مسيحية فقط أم لا ؟
من أكير ازمات تاريخنا و اشدها ضغطا على النفس هو نظرة فصيل هائل من المصريين للعزو العربي على انه أمر جيد جدا و أنه يقترن اقترانا عضويا لزوميا بالدين الإسلامي الحنيف بحيث يصبح اي نقد لأحدهما نقدا مباشرا للآخر دون أي مواربة.
طبعا الأمر بالنسبة لأي قاريء متعمق لتاريخ البلدان التي اصبح الدين الإسلامي بها أغلبية مثل بعض الدول الأفريقية و الاسوية مثل غينيا و غانا و مالي و اندونيسا و ماليزيا يصبح معه الموضع غير ذي حساسية مفرطة فالإسلام نفسه كدين لا ينبغي أن يتقترن اقترانا وجوبيا بعملية الغزو أو الفتح فكل تلك الأمم لم يتم غزوها أبدا رغم وجود اغلبية مسلمة بها . و بالتالي فالفصل و التفرقة واجبة
و على اي حال فانه عندما يتم اقتحام بلد ما بجيش ثم ان يتم حكم هذا البلد من الخارج و يتم نقل فوائض انتاجه ( الخراج و الجزية ) إلى عواصم خارجية مثل المدينة المنورة ثم دمشق ثم بغداد و عندما تتكون طبقة ارستقراطية منفصلة عن عامة الشعب مثل ( طبقة العرب القريشيين أمويين ثم عباسيين ثم طبقة الأتراك منذ عهد المعنصم ) و يكون ولائها الأول لذلك الحاكم الخارجي , و عندما لا تسقط الجزية حتى عمن يدخل في الإسلام من عامة المصريين ( ماعدا عهد عمر بن عبد العزيز و أول عهد العباسيين ) ,,,,,,, فإذن نحن نتكلم هنا عن احتلال كامل , احتلال كامل الأوصاف لا جدال فيه أبدا من اي وجهة نظر علمية و تاريخية
أكاد أجزم شخصيا بكل ثقة أننا عندما فرقنا بين احتلالين و اقنعنا انفسنا بأن هناك احتلال حنون و جيد ( مثل الفتح العربي ) و هو أصلا امر غير صحيح و احتلال غير حيد مثل ذلك الصليبي أو البريطاني مثلا فاننا وضعنا الاساس النفسي الصلب لقبول التبعية و الإذلال و هيمنة الآخرون علينا و على مصائرنا , فغذا كانت الرابطة الإسلامية مبررا لل( تهليل ) للغزو العربي عند الكثرين جدا فان التقدم و الحضارة مبررا للاحتفال بذكرى الاحتلال الفرنسي أو الاحتلال الانجليزي او القبول المرحب بالكيان الصهويوني على انهم من رائحة العالم المتقدم , الاحتلال هو الاحتلال و القبول باي نوع منه و الترحيب به مقدمة للقبول النفسي بأي نوع آخر.
إن الجيش العربي الذي دخل مصر من ناحية العريش عام 639 م بصحبة عمرو بن العاص كان اغلبة من عرب البادية الذين دخلوا حديثا في الإسلام بعد انتصاره يل كان بعضهم ممن ارتدوا و تمردوا بعد وفاه الرسول عليه الصلاة و السلام ثم اعيدوا مرة اخرى للسلطة تحت إمرة أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب , لا يحدونا اي شك ابدا ان السيطرة على هؤلاء البدو و تغيير نمط حياتهم القائم على الغزو من أجل السلب و الغنيمة و الاسر امرا خياليا تماما , فكان من الطبيعي أن الأمم المفتوحة عانت منهم معاناه قاسية جدا و حكت لنا أخبار كتب التاريخ مثل ( فتوح البلدان للبلاذري ) و المواعظ و الآثار للمقريزي فصولا من معاناه الناس من اتباع جيوش خالد بن الوليد بالشام و العراق و فارس و جيوش عمروبن العاص في فلطسين و مصر و ليبيا و عقبة بن نافع و حسان بن النعمان بالمغرب العربي من سرقة و نهب و استرقاق للنساء و الأطفال و غيره .
و من هنا و لذلك فكانت الافتتاحية في كتاب المقاومة كانت مع الغزو العربي نفسه و من هنا نأتي للبشموريين
كانت شرق الدلتا في تلك العصور مليئة بالمستنقعات و بالبحيرات في المنطقة الواصلة اليوم من بحيرة المنزلة حتى منتصف كفر الشيخ حيث مدينة سخا ذات القلعة الحصينة مروة بطنطا و جانب من الشرقية . كانت مناطق واسعة تتخللها بعض الأراضي و الجزر المزروعة حيث كانت مكانا مثاليا للاختباء و التحصن فالمياه تمنح الحماية و الزرع و الأسماك تمنح الطعام و بالتالي احتاج الأمر أكثر من ثلاثة سنوات ليستطيع عمر بن العاص السيطرة الجزئية على تلك المنطقة بعد مقاومة متصلة و هذا هدم للاسطورة الثانية و هي ( أن المصريين لم يقاموا الغزو العربي ) و هو امر غير طبيعي فالمصريين الذين ملوا من الاحتلال المتواصل فارسي و روماني و بيزنطي لم يكن بنقصهم احتلالا آخر فضلا عما سمعوه عن ممارسات الكثير من افراد الجيش العربي غير المطمئنة , القصد ثلاثة سنوات كاملة مرت حتى أتي عام 642 م حين استسلمت مدينة الاسكندرية المحاصرة دون قتال في مناورة مسنركة سياسية بين عمرو بن العاص و قيرس ( المقوقس ) لكي يستطيع العرب أن يعتبروا أن مصر أصبحت معهم و لكن منطقة البشموريين كانت قد سجلت أول سطورها في تاريخ المقاومة.
في تلك الأثناء و هي سنوات التوسع العربي في أيام عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان بدات الخلافات العربية بين فريقين متضادين . الأول فريق الإستعماريين الغلاه و هم من اثرياء و تجار بني أمية مثل عائلة الحكم بن العاص و اولادة الحارث و مروان و عائلة أبو سفيان و أولاده مثل معاوية و يزيد و هم في الاساس كانوا من كبار قريش الذي حاربوا الدعوة بضراوة بالذات لدعوتها من اجل المساواه و الرحمة و عدم التفرقة على أساس قبلي أو طبقى و خلافه و معهم أغلب أكابر العرب العنصريين و اغلب من يرودون الغزو من أجل المكسب و المغنم في المقام الأول و بين معسكر المجاهدين المؤمنين بالرسالة كما كانت في بدايتها و على راسهم على بن اب طالب و ابي ذر الغفاري و سلمان الفارسي و عمار بن ياسر و أغلب من اسلم من فقراء أهل البلاد المفتوحة و الكثير من اهل المدينة المدنورة أنصار النبي الذين تم تهميشهم بعد وفاة التبي. و قد كان اختلاطهم باهالي البلاد المفتوحة له عامل اساسي في عدم خلط الاهالي بين الإسلام كدين و بين الاحتلال العربي كاحتلال.
و بما ان المعسكر الأول هم الذي انتصر و فرض ارادته ابتداء من حكم معاوية بن ابي سفيان أول خلفاء الأمويين بمعاونة بعض غلاة الدمويين من قادة العسكر مثل بسر ابن ابي أرطأءة و المهلب بن أبي الصفرة و الحجاج بن يوسف الثقفي فلنا أن نتصور مدى الماساه التي كانت يعيشها اهالي البلاد المفتوحة تحت نير النهب المتواصل من تلك الظغمه الشرهة للمال و الحكم و القتل
ردود افعال المحكومين
للاسف تصور لنا الأدبيات الرسمية أن الخلافة عاشت و استقرت فترات طويلة في كل المناطق التي غزتها أو فتحتها و هذا امر أبعد ما يكون عن اي صواب فأغلب الشعوب المغزوة لم تقبل الاحتلال مثل شعوب المغرب العربي و فارس و كانوا هم السباقين للمقاومة و احداث القلاقل بالإضافة إلى الخوارج من عرب شه الجزيرة العربية و الشيعة عربا و موالي في العراق و إيران يل و المعارضة السياسية من قادة الفكر الإسلامي الرافضين للحكم الأموي ثم العباسي من بعده و سنمر مرا سريعا في بانوراما واسعة على تلك الحركات المقاومة في عهد الأمويين ( حيث سيكون هنالك ثورات أخرى في عهد العباسيين ) قبل أن نصل في النهاية إلى مصر و ثورة البشموريين الأولى في عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك .
1. ثورة الحسين بن على رضي الله عنه على حكم يزيد الأموي
2. ثورة عبد الله بن الزبير بن العوام على عبد الملك بن مروان
3. ثورة عبيد الله المختار الثقفي على عبد الملك بن مروان
4. الثورة المستمرة للخوارج على الامويين
5. ثورة زيد بن زين العابدين على هشام بن عبد الملك
6. الثورة الفكرية للقدرية على فقهاء الخلافة الأموية عاما و على هشام بن عبد الملك خاصة
بدون تفاصيل فان اغلب تلك الثورات كما هو واضح ثورات عربية سواء قيادة و جماهرية مثل الخوارج و ثورة المختار الثقفي و عبد الله بن الزبير بن العوام أو ثورة شعبية استرك فيها العرب مع الموالي من اهل البلاد المفتوحة أو الغزوة مثل ثورة الحسين بن على بن أبي طالب و ثورة أحد احفاده زيد بن على زين العابدين فضلا عن العباسيين الذين كانوا من الثوار ثم اصبحوا حكاما فيما بعد , أغلب هؤلاء عرب و هم ثاروا ضد الحكم الأموي العربي أيضا بل أنه كان فيهم من الصحابة و اولادهم و أحفاد النبي عليه الصلاة و السلام كلهم ثاروا على الحكم الأموي الظالم الإستعماري المستبد بداية من معاوية حتى مروان بن محمد الخليفة الأخير لنجد بعد ذلك الإمام أحمد بن حنبل من ضمن تعريفه للمؤمن ( من وجهة نظره ) أن يعرف فضل معاوية و كأنه يخرج من زمرة المؤمنين بأثر رجعي من هم مثل على بن ابي طالب و عمار بن ياسر و الحسين بن علي و اب موسى الاشعري و غيرهم
إن توق الشعوب للاستقلال هو امر فطري و طبيعي جدا و إن من اخبث ما فعله المستبدون هو الصاق الغزو و الاحتلال باسم الدين الصاقا دوجماتيا أي عضوي فان الفكر التقليدي عندما اخذ سمته النهائي بصك مصطلح ( أهل السنة و الجماعة ) عن طريق أحمد بن حنبل و الذي صك أيضا شروط و تعريف المؤمن من وجهة نظره فنكتشف أنني كمسلم إن لم اقدر غزاه مثل عمرو بن العاص و خالد بن الوليد و معاوية بن ابي سفيان احتراما لبلادي و ثقافتها و حضارتها أنني اصبح كافرا خارجا من أهل السنة و الجماعة و هو الأمر الذي باركه و أكمله باقي منظرين المذاهب الرسمية مثل أبي الحسن الاشعري و أبي حامد الغزالي في انخيازهم للغزاه و السلاطين ضد العامة و هو ما تم ترسيخه نهائيا في مصر على يد الرجل ذو العبقرية العسكرية صلاح الدين الايوبي و الذي بخلاف انتصاراته العسكرية ادى دورا بالغ السوء حضاريا على مصر خاصة و على الفكر الإسلامي عموما عندما رسخ تماما كل ما هو منغلق و متعصب و احادي الفكر باسم توحيد جهود الأمه بل و أنه احرق تماما دار الحكمة الفاطمية و كانت مكتبة فخمة عامرة بكل صنوف المعرفة بدعوى مكافحة الفكر الشيعي رغم ان كتب الفكر الشيعي لم تحتل من تلك الدار سوى النذر اليسير بينما يحتوى الباقي على باقي فروع العلوم من فلسفة و كيماء و بصريات و هندسة و غيره , لقد بدأ الاقتران الكامل بين الدين و الانغلاق و الجمود.
الدور السلبي للكهنة الأقباط سواء في عهد الرومان أو في عهد العرب في ناحية نصرة القضية الوطنية
بعد توالي الاحتلال بكافة انواعه على مصر من آشوري لفارسي لبطلمي لروماني و مع الحرب الشرسة على كل ما يختص بالشخصية المصرية من فكر و لغة و ثقافة و معرفة و مع ابتعاد كهنة الأديان القديمة عن أي دور إيجابي لاقت الديانة المسيحية ترحيبا كبيرا خاصة من الطبقات الشعبية المقهورة بمصر و شيئا فشيئا رسخت وجودها و اصبحت تشكل ازعاجا هائلا للسلطات الرومانية خاصة مع تأثر محصول القمح مع ثورات الفلاحين الاقباط و من نافلة القول أن القمع و الإرهاب لم يجد اي نفع في وقف ذلك التيار المتصاعد مما أجبر الاباطرة الرومان على تغيير اتجاههم بداية من قستطنطين الأكبر بداية القرن الرابع الميلادي
و لكن الفارق هنا اصبح التركيز على حماية الجانب الثقافي للعقيدة فقط لم تعد النظرة شاملة مثلما كانت في عهود الزهو الغابرة أيام فراعين مصر الأقوياء من دعم لاستعادة وجود الجيش الوطني و البحث عن مالك وطني قوي يقود البلاد لمصلحتها و لكن اصبح الأمر الآن يدور حول الحفاظ على مقومات الهوية الثقافية المصرية فقط – و فيما بعد الحفاظ ايضا على مخصصات الكنائس و الأديره من أوقاف و أموال و خلافه - من المنظور الديني القبطي عبر تفاهم ما مع السلطة الحاكمة فاذا كانت السلطة مرحبة مثل عهد الامبراطور ثيودوسوس ( 389 م – 415 م ) كان التوائم كاملا (ة مع الانبا ثاءو فيلوس ثم الأنبا كيرلس العمودي ) رغم انه طبعا حكم احتلال و ان اعترافه باسبقية كنيسة الاسكندرية لم يجعله حكما وطنيا مثلا . أما إذا كان مثل الوثني دقلديانوس أو الآريوسي قستنطين الصغير أو الملكاني هرقل يصبح الصراع واجبا دفاعا عن العقيدة و العقيده في المقام الأول .
و من هنا لم يكن من الغريب ان يتواءم أغلب الكهنة الاقباط ايضا مع حكم الغزو العربي و خاصة أنه في البداية لم يهتم كثيرا بدخول الناس في الإسلام لكيلا تتاثر الجزية و بالتالي فلم تحدث اية مشاكل حتى عندما تم تسخير المصريين لحفر قناة أمير المؤمنين لسد جوع شبة الجزيرة العربية في عهد عمرو بن العاص لم يرتفع اي صوت للاعتراض فلم تكن العقيده وقتها في خطر و طبعا الأوقاف و المخصصات بأمان و لذا فلا توجد اي مشكله حيث حافظ العرب حتى وقتها على التقليد الروماني ( الذي كان الرومان يفعلونه أيام الصفاء مع الكهنة الأقباط ) لاعفاء الأديرة و الرهبان من ( ضريبة الرأس الرومانية ) أو الجزية بالنسبة للعرب
ثم بدات المشاكل تتوالى فمع الطمع و الشره الزائد للمال من قبل الخلفاء العرب و ولاتم بمصر و مع خيانة الشماس بينامين في عهد الوالي عبد العزيز بن مروانو الذي دل العرب على ما في الأديره من اموال و كنوز بدأ ىتطبيق الجزية على الرهبان و الأديره مما شكل صدمه هائلة و من هنا بدأ التملل يظهر ايضا على الكهنة و الرهبان بالإضافة لعامة الناس مما شكل بداية اختمار لاول ثورة في عهد الأمويين و هي ثورة البشموريين غي عهد الخليفة الطماع هشام بن عبد الملك و واليه الرهيب عبيد الله بن الحبحاب
إنها الأزمة المتكررة منذ الثورة على بطليموس الرابع وخليفته الخامس حين تم ضرب الثورة بعد زيادة أوقاف المعابد و اعادتها لحالها فان لم يحدث فان الثورة وقتها هي الحل للكهنة و رجال الدين.
كما اسلفنا و قلنا أن البشمور بموقعه الصعب على الاختراق كان عليه أن يفتتح شريط الثورات على الحكم العربي ففي عهد هشام بن عبد الملك الجشع الدموي و الذي قمع بوحشية كل حركات التحرر الفكري و السياسي مثل قتله لزيد بن زين العابدين و قتل للمفكر الستنير غيلان الدمشقي ( من اتباع القدريين – اي أصحاب وجهة النظر بقدرة الإنسان على اخنيار اقداره و هو من اصول مصرية ) و ذبح المفكر الجعد بن درهم في الكوفة ليلة عيد الأضحى . هذا الرجل أرسل رجلا متوحشا آخر هو عبيد الله بن الحبحاب لكي يعصر مصر عصرا و يذهب بكل خيراتها للخليفة
و لذا ثار الاقباط البشموريين اربع مرات كاملة في عهد الخليفة هشام بالاشتراك مع بعض العرب الساخطين على الحكم الأموي و بعض من اسلموا من المصريين الفقراء و كان القمع البالغ هو الرد الدائم حتى قام الخليفة في ىخر ثورة بنقل الوالي غلى افريقيا ( تونس ) بعد استنزافه لمصر و قد حاول فعل نفس الشيء هناك و لكن التوانسة غير المصريين فقاموا بخطف زوجاته و جواريه و جميع ابناءه و ارسال رءوسهم له في عدة أشوله.
و كانت هي البروفة الجنرال للثورة الكبرى في عهد المامون العباسي
كانت الدعوة العباسية تعد الناس في كل مكان بالعدل و الرحمة لكي تستميلهم لها و هذا ما كان و قد فقدت الدولة الأمية كل نصير في ايامها الأخيره حتى تم قتل آخر خليفة مروان بن محمد بمصر بالذات و لكن سرعان ما نقضوا بالعهود فاصبحوا أكثر شراهة و طمعا من الأمويين و ساموا كل الشعوب سوء العذاب و القهر و من هنا بدأت الحركات الاستقلالية تنتشر في جميع الأنحاء فقامت دولة الرستميين بالجزائر ثم الأدارسة بالمغرب و بدأت تظهر الحركات الاستقلالية بضراوة في زمن واحد بكل من فارس ( إيران ) بزعامة بابك الخرمي في جبال شمال غرب إيران و زعيم الأقباط يحنس الطوبي بشمال شرق مصر بالبشمور .
كانت ثورة مصر تلك المرة عنيفة كل العنف و عارمة و منتشرة في جميع انحاءها و اشترك فيها كثير من المسلمين الفقراء و بعض العرب مع جموع الأقباط و كان في تلك المرة الهدف واضحا تماما و هو دحر الاحتلال العربي و العباسي و إنشاء الدولة القومية المصرية ليحكمها المصريون حكما مباشرة
في البداية نجح المصريون في هزيمة الجيش العربي و اخراجه من اغلب انحاء مصر ما عدا العاصمة ( الفسطاط ) و الاسكندرية ( حيث يوجد أنبا ميخائيل رئيس الكنيسة و سياتي دوره السلبي لاخقا ) و لم ينتظر المامون كثيرا فمع خروج الجزائر و المغرب عن سلطانه و تمرد مصر و فارس بذلك هو في مهب الريح و فارسل عدة حملات للقمع مع عدة حيل و الاعيب أخرى
1. نحجت جيوش المامون بداية في السيطرة على الصعيد بمعاونة القبائل العربية هناك و لنا ان نتصور مدى فظاعة الانتقام ضد الثوار ( الأقباط منهم في المقدمة)
2. تم تسخين الشعور الطائفي بكل قوة حيث انه و بالرغم من وجود نسبة واضحة جدا من المسلمين من الثوار عربا و مصريون إلا انه كان من الواضح الأغلبية القبطية ( حيث كانت اغلبية المصريين لا يزالوا مسيحيون و إن كانوا بنسبة لا تفوق النصف كثيرا ) فشهدت كثيرا من قرى مصر هجوم الكثير من الرعاع و الأفاقين على الأقباط الآمنين ( حتى من لم يشارك في الثورة ) للقتل و السرقة و الخطف ( هل يذكرنا هذا بما يحدث حاليا و آخره في دهشور )
3. الضغط على رجال الدين و لم يكن الأمر يحتاج للكثير من ذهب المعز و سيفه حتى بدا الكهنة الاقباط و خاصة الأنبا ميخائيل بزعامته للكنيسة و الأنبا يوساب بوجوده في شمال الدلتا في ارسال رسائل الحث على ترك السلاح يل و تهديد بعض الكهنة الثوار مثل الانبا اسحاق اسقف تنيس بشمال شرق الدلتا ( وسط بحيرة المنزلة الحالية من أعمال محافظة بورسعيد حاليا) بالحرمان و كان هذا يحدث في الوقت الذي كان الثوار لا يزالون يسيطرون على أغلب شمال الدلتا اي انهم كانوا في حاجة للدعم و ليس التثبيط
4. و رغم كل ما سبق وجد المامون نفسه مضطرا لأن يأتي باحسن قائد عسكري لديه على وجه الإطلاق و هو التركي الأفشين و الذي كان لتوه نجح في قمع ثورة بابك الخرمي في أعلي جبال إيران بعد فشل الجميع في قمعه فاتي به المامون لقمع البشمور بمصر و ذهب بنفسه معه و أخذ بديه كل من قائد كنيسة انطاكية للسريان الأرثذوكس و الأنبا ميخائيل بابا الأقباط و كان المشهد مثيرا للتأمل ففي الوقت الذي كان الأفشين يحرق بلاد البشمور و لا يبقي فيها على احد حيا كان الراهبين الكبيرين يحثان الناس على طاعة الراعي و الخليفة تجنبا للهلاك!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
طبعا نجح المامون في قمع الثورة و افلتت فرصة عظيمة لمصر من اجل الاستقلال و لكن بقيت الامراض الفكرية و الاجتماعية كما هي لم تمس و لم تعالج
فلا يزال المصريون بعد ذلك التاريخ باثنى عشر قرنا يختارون اسوا الاختيارات فيمن يولونهم الثقة ( أغلب رجال الدين من الجانبين و كثير من المثقفين الأفاقين ) يواجههم العاقل بعيوبهم فلا يسمعوا إلا لمن يخدعهم حرصا على مصالحه عن و ليس مصالحهم هم , فاذا دعاهم داعي إلى العقل كرهوه و اذا تلاعب آخر بمشارعهم اعطوه الثقه مهما رأوا منه
إن المؤسسة الدينية الرسمية و المؤسسة الثقافية الرسمية ايضا لم توجد تحت إمرة الدولة إلا لتسوق الناس سوقا إلى الطاعة و ااطاعة الكاملة و الطاعة غير المشروطة مقابل بعض المكاسب هنا و هناك فإن جاءتنا ثورة عظيمة مثل تلك التي عايشتناها كفرصة لاتعوص لأن يكسر الناس أصفادهم و أغلالهم وجدناهم أحرص ما يكونوا على العبودية بل و على الانتقام ممن حاولوا تحريرهم.
فإلى متى هذا العذاب يا مصر ؟
هل ستعودي أم انتهيتي إلى غير رجعة ؟