أحمر
كُنْتُ أمضي نحوك بلا أنين، بجثتي التي سحبتُها من اللهيب سرتُ نحوك، قدماي باردتان داخل الجوارب السميكة، كان ثوبي خفيفاً فوق جسمي على نحو مدهشٍِ ولذيذ…بعيداً عن الدخان الكثيف كنتٓ جاثياً على ركبتيك، وجهكَ ملطخ كمهرجٍ حزين، على محياك تداخل الدُخان والدموع وسائل أحمر، حاولتُ أن ألمس وجهك لأعرف هل أصبتٓ.
جلستُ أمامك وأنت تنتحب، حاولتُ أن أجد مكانٓ الجرح على جسدك، لم أستطع العثور على جرحٍ واحد، كنتٓ غريباً وأنتٓ تضرب ركبتيك وجارتنا وزوجها يحاولان تهدئتك. ما اسمها جارتنا؟
حاولت التذكر، عدى الابتسامات القليلة التي كنا تتبادلها لحظة نلتقي في المصعد أو في مأوى السيارات، لا أذكر أننا تبادلنا الحديث ولا حتى التحيات…
هل تسمعني قلت لك. لماذا لا تسمعني؟ قاطعني رجال الإطفاء وهم يحاولون منعك من الدخول وحين وصلت الشرطة كنتٓ قد انهرتَ تماماً، ما عدتٓ تقاوم، حاولتُ لمسٓ يدك وهي تنزف، بل فعلتُ حقاً، كانت مثل كتلة من الصلصال تعلقت بقطعة الثلج التي كانت يدي.
حاولتُ رفع يدك لأقبلها، حاولت التحدث بل فعلتُ لكن صوتي بقي عالقاً في حنجرتي مثلما حدث في تلك المرة التي علقت فيها زيتونة في حنجرتي وأنا أحدثك في المطبخ عن مديري الجديد…هل تذكر؟ كم ضحكنا يومها، ضحكنا طويلاً بدموعٍ سالت على خدودنا وصرتٓ تطلب مني أن أتوقف لأنك ستبلل بنطالك لو واصلتُ…ضحكنا طويلاً قبل أن أختنق بتلك الزيتونة التي علقت بحنجرتي وكنت تظن أني أواصل المزاح، رأيت بنطالك يتبلل أمامي وأنا أختنق وأنت تضحك بشكل هستيري، وحين امتقع لوني تفطنتٓ أني لم أكن أمزح بل كُنْتُ أختنق بالفعل…
ليلتها نمتُ بين ذراعيك ودموعك تبلل جبيني وأنت تهمس لي: أرجوكِ لا ترعبيني ثانيةً، أموتُ لو حدث لك مكروه.
حافظتُ على نفسي جيداً منذ تلك الليلة، وكلما حدثتني نفسي بأن أقلد أحداً وأنا أمضغ الأكلٓ عدلتُ، مخافة أن تبلل بنطالك ثانيةً وأختنق أنا، وأراك تبكي مثل يتيم في حجرة مظلمة.
حافظتُ على نفسي جيداً لأجلك ولأجل الطفل الذي رفض القدوم فعوضناه بعائلة من القطط، القطط في مأمن الآن، أنقذتها من النيران قبل أن تصل إليها، أخرجتها للشرفة قبل أن أفقد وعيي.
كُنْتُ أنتظر عودتك وغفوت على الأريكة لا أعرف كيف حدث هذا فجأةً..مثلما حدث الحمل فجأة حين فقدنا الأمل.
لم أخفِ عنك شيئاً، عدى مفاجأتي التي خبأتها في انتظار عودتك…كدتٓ تصير أباً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق