الإثنين، ٢٩ مارس، ٢٠١٠
جروح مفتوحة .. حرائق محتملة http://amr-ezzat.blogspot.com/2010/03/blog-post_29.html
كنيسة مؤقتة في حوش بيت مسقوف بجريد النخل لأقباط عزبة بشرى - تصوير: عمرو عزت
الأساليب السريعة لإطفاء نيران «الفتن الطائفية» تترك تحت الرماد مواد قابلة للاشتعال فى انتظار تجدد الشرارة. زيارة لعزبة «بشرى الشرقية" في بني سويف التي تجددت فيها الأحداث الطائفية على مدار سنتين.
"كل شيء على ما يرام منذ جلسة الصلح. العلاقة بيننا وبين إخواننا المسلمين في العزبة جيدة جدا. صحيح لم يصدر بعد ترخيص ببناء كنيسة. لكن سمح الأمن لنا بالصلاة في بيت مؤقتا ونحن في انتظار الترخيص" يبدو الأب يعقوب متفائلا وهو يتحدث عن الأحوال في عزبة بشرى الشرقية التابعة لقرية تلت مركز الفشن ببني سويف.
العزبة الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها الألفين، ثلثهم تقريبا من المسيحيين، شهدت حادثين طائفيين. كلاهما بسبب مكان صلاة المسيحيين، ولا يفصل بينهما سوى عام واحد وجلسة صلح سابقة.
في يوليو 2008، بحسب تقريرالمركز الحقوقي "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، حرق مجهولون محاصيل بعض المزارعين الأقباط وحاولوا حرق منزل أحدهم، وهدموا سورا تم بناؤه بين أرض زراعية وأرض مملوكة لمطرانية الفشن بها منزل الكاهن السابق الأب إسحق الذي كان المسيحيون يزورونه لإقامة الصلاة فيه، وتردد في العزبة أن ذلك تمهيدا لبناء كنيسة. بعد جلسة صلح منع الأمن إقامة الصلاة في منزل الكاهن داخل قطعة الأرض.
وفي يونيو2009، حسب نفس التقرير، حدثت اشتباكات بين المسيحيين وأفراد أمن حاولوا منعهم من دخول منزل الكاهن السابق الأب إسحق لإقامة الصلاة عنده، وتدخل بعض الأهالي المسلمين إلى جانب أفراد الأمن. وبعض قدوم تعزيزات الأمن التي تتهمها الشهادات في التقرير بالاعتداء على منازل الأقباط أثناء اعتقالهم، وقعت إصابات لعشرات الأقباط و ثمانية من المسلمين وتم إلقاء القبض على 19 مسيحيا والمصابين الثمانية من المسلمين. تم إخلاء سبيل الجميع من نيابة الفشن، ولكن على مدى 3 أيام تجدد إتلاف محاصيل المزارعين الأقباط. وفي 30 يونيو 2009 عقدت جلسة صلح بحضور محافظ بني سويف ومطران الفشن ووكيل وزارة الأوقاف واقتصرت على خطب ودية ولم تتطرق إلى مشكلة مكان صلاة المسيحيين، ولكن تم الاتفاق على رحيل الأب إسحق من العزبة ووعد المحافظ برصف الطريقين المؤديين للعزبة!
وهو يقطع الطريق الترابي غير الممهد بين قرية تلت وعزبة، يبدي سائق التاكسي المقيم في مركز الفشن تعجبه من أنها المرة الأولى التي يعرف فيها باسم عزبة بشرى، بل لم يسمع عن كل هذه الأحداث من الأصل. وعندما يقترب من سور العزبة وبوابتها القديمة ذات الشكل المميز يعلق ضاحكا: كأننا ندخل التاريخ !
البوابة والسور مما تبقى من عزبة بشرى حنا باشا التي تم تقسيمها بعد يوليو 1952 بين مزارعين وبين ورثة بشرى باشا الذين باعوا كل نصيبهم ورحلوا. خلف السور الذي يفصل العزبة عن المحيط الزراعي الأخضر، تبدأ البيوت المتقشفة الطينية في أغلبها. مبان قليلة تبدو في حالة أحسن، منها المدرسة الصغيرة والمسجد الفخم ومنزل الكاهن الذي حدثت حوله الاشتباكات. وفي حالة أقل ولكنها أفضل قليلا تبدو البيوت التي تطل على الترعة التي تحد العزبة شرقا. هناك يسكن ميخائيل تادرس، أحد وجهاء الأقباط في العزبة، الذي لا يحب أيضا الخوض في تفاصيل المشكلة ويؤكد كثيرا على أن الأمور هادئة الآن خاصة بعد العلاقة الجيدة بين الأمن والأب يعقوب الكاهن الجديد، والتي جعلت الأمن يعطي موافقة شفهية على إقامة الصلاة في بيت آخر بجوار بوابة العزبة وتحت حراسة أفراد أمن. ولكن حديثه المطمئن يثير سؤالا قلقا حول مصير هذا الهدوء في حالة حدوث خلاف بين الأب وضابط أمن الدولة.
يقول إسحق إبراهيم، الباحث في برنامج حرية الدين والمعتقد ب"المبادرة المصرية”: “في ظل المشكلات الكثيرة التي تعترض وتؤخر صدور تراخيص بناء الكنائس، فإن العلاقة بين كاهن الكنيسة وأمن الدولة وأحيانا المحافظ وسمات كل منهم الشخصية تحدد طريقة التعامل مع أماكن صلاة الأقباط. أحيانا يصلي الأقباط في بيوت عادية بموافقة شفهية من الأمن. وأحيانا يوافق الأمن على إقامة الصلاة في جمعية أهلية مشهرة بوزارة التضامن الاجتماعي".
يتهم مصري عبد المولى، أحد سكان العزبة ورئيس المجلس المحلي بقرية أقفهص المجاورة، الأب إسحق الكاهن السابق بأنه سبب توتر العلاقات بين مسلمي العزبة ومسيحييها بالإضافة إلى محاولته إقامة صلاة في أماكن تنقصها التراخيص اللازمة.
يتهم بعض مسلمي العزبة، منهم مصري عبد المولى أحد ا لقيادات المحلية في المنطقة، الأب إسحق بأنه سبب توتر الأمور وقت الحادثتين بسبب عناده وإصراره على إقامة الصلاة في أماكن بلا تراخيص، بينما يشير ميخائيل تادرس إلى أن ذلك كان يمكن أن يمر لولا توتر العلاقة بين الأب إسحق وضابط أمن الدولة.
يلمح عادل رمضان، المسئول القانوني بالمبادرة والذي قام بجمع الشهادات من أهالي القرية وحضر جلسة الصلح الأخيرة، إلى أن سخط الأمن على كاهن الكنيسة وتعامل الأمن الفظ مع المسيحيين كان بمثابة تحريض وتشجيع على تلك الأحدث: “الأمن يمسك تماما بخيوط اللعبة. وإذا رأي بعض الأهالي أفراد الأمن يتعاملون بهذه الطريقة مع المسيحيين فهو بمثابة تشجيع. هذا ناهيك عن إشراف الأمن على مخالفة القانون بالضغط من أجل التناول عن كل المحاضر وقضايا التعويض عن الخسائر، بل وصل الأمر إلى حدوث تصالح في قضية حرق المنازل وهي قانونا جناية لا يجوز التصالح فيها".
يحكي عادل رمضان أن جلسة الصلح الأخيرة كانت بمثابة إعلان انتصار للمعتدين، فلم يتطرق كل الأطراف للمشكلة الرئيسية ولا للأحداث ولا لأي مسئولية ولا تعويض للخسائر، تم الاتفاق على إبعاد الكاهن وأن يكون المنزل محل الخلاف مجرد منزل للكاهن لا تقام فيه الصلاة. خرج بعض المسلمين يهتفون هتافات مستفزة وكأنه انتصار للإسلام! بينما خرج المسيحيون في ذهول يتساءلون عن مصير المشكلة الرئيسية التي حدث كل ذلك بسببها".
بعد جلسة الصلح الرسمية البروتوكولية، عقدت في أكتوبر الماضي جلسة صلح أخرى وافق فيها الأمن شفاهة على صلاة الأقباط في بيت صغير مع وعد بقرب صدور ترخيص لبناء كنيسة مكان هذا البيت.
على دكة في مواجهة البيت يجلس خفيرين للحراسة، وفي مدخله تقف أم معوض تبيع بعض البقالة والمشروبات. مكان الصلاة هو حوش صغير من جزئين سقفه مغطى بجريد النخل، على حوائطه علقت صور القديسين والآباء وبعض اللوحات الكرتونية التي تحمل صلوات، ومن بينها تظهر صورة حنا معوض، الزوج الراحل لأم معوض التي تسأل باهتمام عن موعد صدور ترخيص بناء الكنيسة التي ستظل تقيم فيها وتخدمها: “المكان ضيق. في الصيف نتنفس بصعوبة وفي الشتاء لا سقف فوقنا كما ترى. ولكن نحمد الله أننا نصلي".
يبدي معظم أقباط العزبة رضاهم، حتى كمال نعومي أحد المزارعين الذين أحرقت بعض أرضهم. لا يعلم كمال شيئا عن مصير المحضر الذي تقدم به وبالطبع لم يقدم أي مشتبه به للمحاكمة كما في معظم الأحداث الطائفية، لم يصرف له أي تعويض عما لحق به من خسائر ولكنه في النهاية يقول: “فرحت أننا صلينا عيد الميلاد الماضي في المكان الجديد، لا بأس به. لا أفكر في تعويضات ولا محاضر. الله يعوّض علينا وتصدر التراخيص وستكون الكنيسة عوضنا"