للسرير..طرف آخر!
جلس على طرف السرير...جلست هي على الطرف الآخر..صغيرة وجميلة...ساحرة في ثوبها الأبيض..غارقة فيه وفي خجلها..!
إنها لن تبادر بالكلام...هكذا تعلمت...
أقترب منها..بادر باللمس..هكذا تعلم..
جفلت...
ابتسم...
إنها غير معتادة على اللمس...هكذا تعلمت..
هو معتاد على اللمس..هكذا تعلم..
والأجمل إنه يلمس بحضارة..
يقبل بحضارة..
يعاملها بحضارة..
لم يفترسها كالوحوش البرية..
تمر الليالي..
هي تعتاد على اللمس..يتململ الجسد...يحاول التعبير..لكنه بعد لم يفهم كل هذا الحوار الجديد..
هو يتنهد..يتنفس الصعداء..أخيرا بدأ الحوار يتناغم..إنه معلم صبور ومتحضر إذا ما قارن نفسه بآخرين لا يفهمون من فن الحوار إلا لغة الهجوم والانقضاض..! لأنهم هكذا تعلموا!!
تمر الأيام..
ماذا بعد الجسد؟
كيف يعلمها تناغم الروح؟!
هذا الصمت يخنق..
يتنهد..
جسدها مستلقي على الجانب الآخر..جميل..كلها جميلة..!
لماذا كل هذا الحزن الآن..؟!
عن ماذا كان يبحث؟!
تذكر تلك الكلمات التي سمعها...كانت رسالة من السماء..
" حوار الفكر يؤدي إلى حوار الجسد..لكن العكس مستحيل"
لم يكن حينها يريد أن يسمع...كان خائفا والوقت لا يسمح بالتفكير...لقد جرب كل شيء ومر على أجساد كثيرة..عاش الحب بكل أبعاده بكل ألوانه...لم ينجح شيء..لكن هل كان يريد لشيء من كل ذلك أن ينجح؟!! أم أنه كان يفشل ليصنع عذراً للتخلف؟! ليبرر زواجه بطريقة الأجداد! كانوا ينجحون فلماذا أنا سأفشل؟! لكن لمن كان يصنع العذر ولمن كان يبرر؟!
كان جباناً...! وما يفكر به الآن سيجعله نذلاً..!
ظن إنه غادر عالم الحمقى أخيرا..لكن الظاهر إن الحمق له أبواب كثيرة..غادره من باب ودخله من باب آخر..!
وهذا الجسد الممدد على السرير دفع ثمن حماقته..!! دوماً كان هناك شخصاً آخر يدفع ثمن حماقاته..!
كان عليه أن ينتظر قليلاً..أن يتمهل حتى يتوازن..!!
يتوازن..شعر بالمرارة وهو يتذكر تلك الكلمات التي رفض سلفا سماعها لأن الغرور يعمي الأبصار ويوقر الأذان.." الوقت المناسب يؤدي إلى الشخص المناسب..لكن العكس مستحيل"
لكن لماذا هو بالذات سيفشل؟! كل أصدقاءه تزوجوا قبل سنوات وهو الآن في التاسعة والعشرين..!
لماذا تكذب على نفسك!!
هل هم ناجحون؟ هل سعد ناجح؟!
سعد الذي يمضي كل أوقاته على الهاتف المحمول يتحدث مع هذه وتلك ويعود لبيته بعد العاشرة مساءً وتمضي أسابيع قبل أن يؤدي واجباته الزوجية على مضض أو تحت إلحاح بدني بحت!!
أم بكر الغارق حتى أذنيه في مشاكل لا حصر لها لأنه قرر أن يتزوج بأخرى بعد أن غرق في الحب الذي لم يكن قبل سنوات يمثل له هاجساً ولا أهمية عندما كان إلحاح الجسد أولوية تعصف بأهمية القلب وبعد أن أدرك أن للروح حق كما للجسد قرر أن يحقق العدالة لنفسه بظلم الآخرين وأن يبني سعادته على أنقاض شخص آخر!!
أم شهاب الذي طلق زوجته أخيرا بعد أن اشترطت عليه الحبيبة الجديدة أن يطلق القديمة إذا أراد الارتباط بها..!
أم ياسر الذي لم يجرؤ أن يفعل كما فعل بكر وشهاب فأختار الحل الأسهل.. الخيانة والتي يبررها بألف حكاية ورواية..!!
أم المسكين سلمان الذي رأي أن يقدم أولاده قبل أي شيء وقرر أن يتحمل مسئولية اختياره المبكر ويتجاهل هذا الإلحاح المتأخر المؤلم لروح فارغة تتقلب في أحضان الوجع وعند ذروته لا يجد غير الانكفاء على وجعه واعتياده..وادعاء القناعة حتى لو كلف الادعاء العمر كله..!
تقلب في الفراش..
خلق الله كل المشاعر لنختبرها..لنشعرها...لتمر علينا ذات مساء..أو ذات صباح..ذات صيف أو ذات شتاء...ذات مطر..ذات غيم أو ذات صفاء..لا يهم متى..لكنها تمر..
والآن وفي هذه اللحظة من المساء يمر عليه الندم..شعور غريب..مر..!
يصحو..الفطور جاهز..يعود من العمل..الغداء جاهز...العشاء جاهز...فجأة يكتشف أن الطعام كان آخر اهتماماته..هذه السفرة العامرة الدالة على فتاة قضت كل عمرها تتعلم مهارات الطهو، لا تبهره..لا تشبع خواء روحه..
يمر اليوم كاملا..لا حوار ...لا أرض مشتركة..والانبهار بالدمية الجميلة يتضاءل مع الوقت..ينحسر خداع الذات ويكشف ببطء مخيف عن حقيقة سافرة..
لم يكن يعرف أن تلاقي الأجساد المجردة من الحب يصبح بعد فترة مؤلما هكذا؟! مملاً...رتيباً..يشبه إلى حد بعيد ذلك الإحساس القديم عندما كان يؤدي واجباته المدرسية..على عجل وبدون تركيز..فقط ليسقط الواجب من على كاهله..!!
تتناوبه الليالي أهات وتتعاقبه بقسوة..
مرر يده على جسدها النائم..
ومرر يده الأخرى على طرف السرير الخشبي..!
لا فرق في الإحساس..!
هاجمه الشعور القديم..
ما بال الهجوم هكذا شرسا؟!
تذكر مذاق الحب..
أغمض عينيه..
شعر بألم كبير..
لا لن يبكي..
لن يذهب إلى الغرفة الأخرى..ولن يغلق الباب..ولن يضم صورتها إلى صدره...لا لن ينهار كالطفل الأحمق..
لا لن يصحو فجرا في غرفة المكتب..محتضناً قميصها الأبيض..
لن يمشي ببطء حيث يستلقي الجسد...لن يقف عند الباب..
لن يبتسم بمرارة..
لم تكن تأوي إلى الفراش..كانت تأوي إلى جسده وتتغطى بروحه..والسرير كان كبيرا...لم يعرف منه إلا وسطه..
الآن فقط أدرك أن للسرير طرف آخر!!
حنان الوادعي
سبتمبر 5 2004
نشرت في مجلة الصدى- العدد 286
ونشرت ضمن قصص لعدد من الكاتبات اليمنيات في كتاب "يوم كان السرد أنثى" للكاتبة ريا أحمد.
إنها لن تبادر بالكلام...هكذا تعلمت...
أقترب منها..بادر باللمس..هكذا تعلم..
جفلت...
ابتسم...
إنها غير معتادة على اللمس...هكذا تعلمت..
هو معتاد على اللمس..هكذا تعلم..
والأجمل إنه يلمس بحضارة..
يقبل بحضارة..
يعاملها بحضارة..
لم يفترسها كالوحوش البرية..
تمر الليالي..
هي تعتاد على اللمس..يتململ الجسد...يحاول التعبير..لكنه بعد لم يفهم كل هذا الحوار الجديد..
هو يتنهد..يتنفس الصعداء..أخيرا بدأ الحوار يتناغم..إنه معلم صبور ومتحضر إذا ما قارن نفسه بآخرين لا يفهمون من فن الحوار إلا لغة الهجوم والانقضاض..! لأنهم هكذا تعلموا!!
تمر الأيام..
ماذا بعد الجسد؟
كيف يعلمها تناغم الروح؟!
هذا الصمت يخنق..
يتنهد..
جسدها مستلقي على الجانب الآخر..جميل..كلها جميلة..!
لماذا كل هذا الحزن الآن..؟!
عن ماذا كان يبحث؟!
تذكر تلك الكلمات التي سمعها...كانت رسالة من السماء..
" حوار الفكر يؤدي إلى حوار الجسد..لكن العكس مستحيل"
لم يكن حينها يريد أن يسمع...كان خائفا والوقت لا يسمح بالتفكير...لقد جرب كل شيء ومر على أجساد كثيرة..عاش الحب بكل أبعاده بكل ألوانه...لم ينجح شيء..لكن هل كان يريد لشيء من كل ذلك أن ينجح؟!! أم أنه كان يفشل ليصنع عذراً للتخلف؟! ليبرر زواجه بطريقة الأجداد! كانوا ينجحون فلماذا أنا سأفشل؟! لكن لمن كان يصنع العذر ولمن كان يبرر؟!
كان جباناً...! وما يفكر به الآن سيجعله نذلاً..!
ظن إنه غادر عالم الحمقى أخيرا..لكن الظاهر إن الحمق له أبواب كثيرة..غادره من باب ودخله من باب آخر..!
وهذا الجسد الممدد على السرير دفع ثمن حماقته..!! دوماً كان هناك شخصاً آخر يدفع ثمن حماقاته..!
كان عليه أن ينتظر قليلاً..أن يتمهل حتى يتوازن..!!
يتوازن..شعر بالمرارة وهو يتذكر تلك الكلمات التي رفض سلفا سماعها لأن الغرور يعمي الأبصار ويوقر الأذان.." الوقت المناسب يؤدي إلى الشخص المناسب..لكن العكس مستحيل"
لكن لماذا هو بالذات سيفشل؟! كل أصدقاءه تزوجوا قبل سنوات وهو الآن في التاسعة والعشرين..!
لماذا تكذب على نفسك!!
هل هم ناجحون؟ هل سعد ناجح؟!
أم بكر الغارق حتى أذنيه في مشاكل لا حصر لها لأنه قرر أن يتزوج بأخرى بعد أن غرق في الحب الذي لم يكن قبل سنوات يمثل له هاجساً ولا أهمية عندما كان إلحاح الجسد أولوية تعصف بأهمية القلب وبعد أن أدرك أن للروح حق كما للجسد قرر أن يحقق العدالة لنفسه بظلم الآخرين وأن يبني سعادته على أنقاض شخص آخر!!
أم شهاب الذي طلق زوجته أخيرا بعد أن اشترطت عليه الحبيبة الجديدة أن يطلق القديمة إذا أراد الارتباط بها..!
أم ياسر الذي لم يجرؤ أن يفعل كما فعل بكر وشهاب فأختار الحل الأسهل.. الخيانة والتي يبررها بألف حكاية ورواية..!!
أم المسكين سلمان الذي رأي أن يقدم أولاده قبل أي شيء وقرر أن يتحمل مسئولية اختياره المبكر ويتجاهل هذا الإلحاح المتأخر المؤلم لروح فارغة تتقلب في أحضان الوجع وعند ذروته لا يجد غير الانكفاء على وجعه واعتياده..وادعاء القناعة حتى لو كلف الادعاء العمر كله..!
تقلب في الفراش..
خلق الله كل المشاعر لنختبرها..لنشعرها...لتمر علينا ذات مساء..أو ذات صباح..ذات صيف أو ذات شتاء...ذات مطر..ذات غيم أو ذات صفاء..لا يهم متى..لكنها تمر..
والآن وفي هذه اللحظة من المساء يمر عليه الندم..شعور غريب..مر..!
يصحو..الفطور جاهز..يعود من العمل..الغداء جاهز...العشاء جاهز...فجأة يكتشف أن الطعام كان آخر اهتماماته..هذه السفرة العامرة الدالة على فتاة قضت كل عمرها تتعلم مهارات الطهو، لا تبهره..لا تشبع خواء روحه..
لم يكن يعرف أن تلاقي الأجساد المجردة من الحب يصبح بعد فترة مؤلما هكذا؟! مملاً...رتيباً..يشبه إلى حد بعيد ذلك الإحساس القديم عندما كان يؤدي واجباته المدرسية..على عجل وبدون تركيز..فقط ليسقط الواجب من على كاهله..!!
تتناوبه الليالي أهات وتتعاقبه بقسوة..
مرر يده على جسدها النائم..
ومرر يده الأخرى على طرف السرير الخشبي..!
لا فرق في الإحساس..!
هاجمه الشعور القديم..
ما بال الهجوم هكذا شرسا؟!
تذكر مذاق الحب..
أغمض عينيه..
شعر بألم كبير..
لا لن يبكي..
لن يذهب إلى الغرفة الأخرى..ولن يغلق الباب..ولن يضم صورتها إلى صدره...لا لن ينهار كالطفل الأحمق..
لا لن يصحو فجرا في غرفة المكتب..محتضناً قميصها الأبيض..
لن يمشي ببطء حيث يستلقي الجسد...لن يقف عند الباب..
لن يبتسم بمرارة..
لم تكن تأوي إلى الفراش..كانت تأوي إلى جسده وتتغطى بروحه..والسرير كان كبيرا...لم يعرف منه إلا وسطه..
الآن فقط أدرك أن للسرير طرف آخر!!
سبتمبر 5 2004
نشرت في مجلة الصدى- العدد 286
ونشرت ضمن قصص لعدد من الكاتبات اليمنيات في كتاب "يوم كان السرد أنثى" للكاتبة ريا أحمد.