السبت، 21 فبراير 2015

نص للصديقة خديجة دودى




أناياي
ــــــــ
حينما تتلاشى البدايات وتخوننا الذّاكرة نضيّع طريق العودة فنستمرّ على غير هدًى ، وهذا ما يحصل عادةً لمرضى الزّهايمر أو من يفقدون ذكرى وتمحى تماما ولا يبقى لها أثر ، تسمّرت عيناي على صورة مُبَرْوَزة كانت على مكتبي أتملّى ملامحها وأستقرئ نظراتها المتصاغرة الذّليلة و قد ثبت في قرارة نفسي أنّ هذا الوجه لا أجهله بل أعرفه تمام المعرفة فحاولت أن أتذكّر صاحبته الجميلة .
     كانت عينا المرأة في الصورة تنظر إلى شيء ما لا للمصوّر وكأنّها تشيح بوجهها عنه لتخفي أمرا ما أو صفة معيّنة لا تريدها أن تؤرّخ ، لعلّها كانت تنوي ان تتغيّر أو ربّما كانت تشعر بالسخط على نفسها كما أشعر أنا بالسخط حيالها .
فجأةً شعرت بحنق شديد فهممت بتحطيم البرواز بإلقائه بعيدا عن مكتبي ثمّ ألمّ بي حزن ماكر اعتصر ما تبقّى من دموع جفّ مستودعها واستدعتها هذه الغريبة عنّي التي كما أخبرتكم كان يزعجني حضورها بغرفتي وعلى مكتبي.
 
    همت دموعي بكرم حتى تقرّحت آماقي و آلمني ملحها في خدّيّ ، تألّمت لسبب خفيّ أجهله و استمرّ الحزن يطبق على قلبي كلما تملّيت الصورة فأشحت بوجهي جانبا ليقابلني وجهي المنعكس على المرآة وقد تملّكتني دهشة فظيعة حينما لمحت شبها بيني وبين الصورة ، بل لمحت تطابقا يكاد يجعلني أصرخ لأعترف بأن هذه هي تلك التي على المرآة ، لكن ان كانت هذه السّيدة في الصورة هي تلك التي على المرآة فمن أكون أنا ... آه ..من أكون بحق الله !!

     بكيت ليلتها حتّى غلبني النّعاس فنمت جالسة أتوسّد يدي ووجهي قبالة المرآة،  فرأيت بمنامي أنني اجري بين جدارين ثقيلين من المرايا وتلك المرأة تلاحقني ، وكلّما التفت خلفي لمحتها تركض كسيرة ، كما كانت ملامحها ، ولا ادري لماذا لم أقف و أصفعها أو على الأقل أسألها ، ما علاقتك بي فقد عجزت عن التّذكّر وكيف أن توافق وأن كنت شبيهتي ، كنّا نركض والطريق يضيق ليفضي بنا على جدار كالجدارين السّابقين وقفت أمامه ولم أستدر خلفي لأن ما ابحث عنه اراه على الحائط وقد كانت تقترب شيئا فشيئا حتى اختفت ملامحها في ملامحي عليه
واستيقظت فزعة من نومي أتحسّس وجهي وعيناي على المرآة ثم استدرت لصورتي التي كانت تذكّرني بأنا ، أنا القديمة التي تلاشى ضعفها وانكساراتها ..أناي التي ماتت منذ أمد لأتخلّق من جديد .
02_01_2015